وهنا جلس الخضر عليهالسلام ليشرح لموسى عليهالسلام أسرار هذه السلوكيات والأفعال الغريبة ويبين له الحقائق الخفية لعالم الوجود بحيث إن موسى عليهالسلام شعر بأنه قد فتحت أمامه نافذة جديدة على أسرار حياة الناس ، وعندها ودع الخضر عليهالسلام موسى عليهالسلام بعد أن حمله معارف جمة من هذه العلوم الغريبة.
وأخيراً تقول الآيات الكريمة في استعراضها لما حدث بين الخضر وموسى عليهماالسلام حيث تبين تفاصيل ورموز العلل الكاملة وراء هذه التصرفات العجيبة للخضر عليهالسلام وتقول على لسان الخضر عليهالسلام
(أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً).
(وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً* فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً).
(وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً)(١).
ولو أنّ موسى عليهالسلام لم يستعجل بحكمه على أفعال الخضر عليهالسلام لكان قد بقي مع الخضر واستفاد أكثر من علومه ، ولكنَ «العجلة والتسرع» كانا السبب لأن يحصل على هذه الثمار الثلاثة فقط ويحرم من الزيادة.
«الطائفة الثانية» من الآيات محل البحث تستعرض واقعة اخرى لأحد الأنبياء العظام حيث تسببت العجلة والتسرع في القضاء والحكم أن يقع مورد العتاب الإلهي.
والقصة هي انه بينما كان داود عليهالسلام يوماً في محرابه إذ دخل عليه رجلان أحدهما يشتكي من الآخر ويقول : (إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ
__________________
١ ـ سورة الكهف ، الآية ٦٠ ـ ٨٢.