عليهالسلام هؤلاء القوم وصحب معه الرجل العابد بدون أن يُتم الحجّة عليهم فلعلّهم يتوبون تلك اللحظات الأخيرة ويعودون إلى الله تعالى ، ولكنَّ الرجل العالم بقي معهم واستمر في تبليغ الرسالة الإلهية.
وقد أثمر هذا التبليغ وهذه الدعوة من الرجل العالم ثمره تزامناً مع اقتراب لحظات نزول العذاب ، فحدث أن أوجب كلام هذا العالم وعلامات نزول العذاب تحولاً كبيراً في أعماق نفوس هؤلاء القوم ، وأثابوا إلى رشدهم وخرجوا مصطحبين معهم ذلك العالم إلى الصحراء ليعلنوا توبتهم وانابتهم إلى الله وسلوكهم في طريق الإيمان والتقوى ، فلعلّ الله يرحمهم ويغفر لهم ، وهكذا قبل الله تعالى توبتهم وتاب عليهم ولكنه وبّخ يونس عليهالسلام على تسرعه وعجلته في ترك هؤلاء القوم.
القرآن الكريم يخاطب نبي الإسلام في هذه الآيات الكريمة أن لا يستعجل في طلب العذاب الإلهي على المشركين من قريش ولا يكون كيونس عليهالسلام (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ* لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ)(١).
ولكن الله تعالى قبل توبته من هذا الترك الأولى ، وعند ما خرج يونس عليهالسلام من بطن الحوت كان قد تطهر من كلّ ذنب وترك للأولى ، ولهذا نقرأ بعد هذه الآية قوله تعالى (فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ)(٢).
فالبرغم من أنّ يونس لم يتم الحجّة على قومه بالمقدار اللازم ، ولكن الله تعالى كان يتوقع من هذا النبي الكريم أن يصبر ويتأنى أكثر من ذلك ، ولذلك عاقبه على عجلته وتسرعه في مقابل عناد اولئك القوم.
وتتحرك «الآية الرابعة» من موقع منع نبي الإسلام صلىاللهعليهوآله من «العجلة والتسرع» وتقول
__________________
١ ـ سورة القلم ، الآية ٤٨ و ٤٩.
٢ ـ سورة القلم ، الآية ٤٨ ـ ٥٠.