وَأَرْضُ اللهِ واسِعَةٌ إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ)(١).
وهذه الآية الشريفة تدلّ من جهة على أنّ الإنسان يجب عليه أن يستعين بقوّة الصبر والاستقامة في مقابل الصعوبات الّتي يفرضها الواقع وتفرضها عليه عملية الصراع مع الظالمين والجبابرة ، لأنّه بدون ذلك فلا يوجد منفذ أمام الإنسان سوى الاستسلام للظالمين وقوى الإنحراف والخضوع لهم.
ومن جهة اخرى فإنّها تشير إلى ثواب الصابرين عند الله وأنّه لا يقبل العد والحساب.
عبارة «بغير حساب» تشير إلى أنّ الله تعالى سوف يجازي هؤلاء الصابرين بالثواب العظيم إلى درجة أنّ أحداً لا يقدر على عدّه واحصائه إلّا الله تعالى ، ولهذا نقرأ في الحديث الشريف عن رسول الله أنّه قال : «إذا نشرت الدواوين ونُصبت الموازين لم ينصب لأهل البلاء ميزان ولم ينشر لهم ديوان ، ثمّ تلا هذه الآية : (إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ»)(٢).
وهذه العبارة «بغير حساب» وردت في آيات متعددة اغلبها يتعلق بالرزق الدنيوي الكثير الّذي يهبه الله تعالى لبعض الناس ، ولكن فقط في هذه «الآية ٤٠ من سورة المؤمن» فتتحدّث عن الثواب الإلهي للمؤمن والصابر يوم القيامة ، ومن المعلوم انه إذا كان الرزق الدنيوي بدون حساب فإنّ ذلك لا يعني انه يتناسب مع كمية العمل أو كيفيته ، بل يتناسب مع لطف الله تعالى وعنايته لعبده ، وبالتالي تكون ثمرته سامية جداً في مقام القرب الإلهي والكمال المعنوي.
ونقرأ في «الآية الحادية عشر» تعبيراً جميلاً جداً عن أهمية الصبر والاستقامة ، وذلك أنّ الملائكة عند ما تستقبل أهل الجنّة من كلّ باب يردون إليها يقولون لهم : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما
__________________
(١) سورة الزمر ، الآية ١٠.
(٢) أورد هذا الحديث كلّ من الطبرسي في مجمع البيان ، والقرطبي في تفسيره ، والبرسوئي في روح البيان ، مع تفاوت يسير ذيل هذه الآية.