صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)(١).
واللطيف أنّ الملائكة هنا أشاروا من بين جميع الأعمال والطاعات والعبادات الّتي أتى بها أهل الجنّة إلى الصبر والاستقامة لأن ذلك كان سبب دخولهم الجنّة ، ولو دققنا النظر لرأينا أنّ الصبر بحد ذاته له دورٌ مهم في سعادة الإنسان ونجاته في الآخرة ودخوله الجنّة لانه بدون الصبر فلا يستطيع الإنسان أن يتوقى من الذنوب ولا يؤدي العبادات والطاعات ولا جهاد النفس أو جهاد الأعداء ، ولهذا السبب فإنّ الملائكة في أوّل سلامٍ وتبريك لهؤلاء ذكروا مسألة الصبر.
والشاهد على هذا الكلام أنّ جميع الطاعات يأتي بها الإنسان في ظلّ عنصر الصبر ونقرأ في الآية ٢٢ من هذه السورة قوله تعالى : (وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ ...).
وجاء في تفسير هذه الآية حديثاً جميلاً عن الإمام علي بن الحسين عليهالسلام أنّه قال : «إذا كان يوم القيامة ينادي مناد : ليقم أهل الصبر ، فيقوم جمعي من الناس فيقال لهم : انطلقوا إلى الجنة ، فتتلقاهم الملائكة فيقولون إلى أين؟ فيقولون : إلى الجنة. قالوا : قبل الحساب؟ قالوا : نعم ، فيقولون : من أنتم؟ فيقولون : نحن أهل الصبر ، قالوا : وما كان صبركم؟ قالوا : صبرنا أنفسنا على طاعة الله ، وصبرناها عن معاصي الله ، وصبرناها على البلاء والمحن في الدنيا ، قال علي بن الحسين عليهالسلام : فتقول لهم الملائكة : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ)(٢).
وذكر بعض رواة هذا الحديث أنّ الملائكة تقول لهم : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ)(٣).
«الآية الثانية عشر» تكرر هذا المطلب بصورة جذابة ، وهذه الآية هي استمرار للآيات
__________________
١ ـ سورة الرعد ، الآية ٢٤.
٢ ـ القرطبي ، ج ٥ ، ص ٤٥٣٢.
٣ ـ تفسير القرطبي ، ج ٥ ، ص ٤٥٣٢.