(قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا ...)(١).
هذا والحال أن غصب حقوق الناس والتطفيف في الميزان لم يكن ليؤدي إلى عدم زيادة ثرواتهم وأموالهم فحسب ، بل كما أشار القرآن الكريم ادّى إلى فساد المجتمع وإيجاد الخلل والارتباك في مفاصله وزوال الثقة بين الأفراد في عملية التفاعل الإجتماعي واهدار الطاقات واتلاف الأموال وأمثال ذلك ، وعليه فإنّ صفة الحرص أدّت إلى نتائج معكوسة في مسيرتهم الإجتماعية والدنيوية.
«الآية الثالثة» من الآيات محل البحث تستعرض الحادثة الّتي حدثت لداود والّتي تعكس في مضمونها الصفة الذميمة للحرص وابعادها السلبية في حياة الإنسان وعلاقته مع الآخرين ، وتتلخص هذه القصة في أخوين جاءا إلى النبي داود فقال أحدهما (إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ)(٢) وهكذا نجد أنّ صاحب التسع وتسعين نعجة طمع في ضم نعجة أخيه الواحدة إلى نعاجه وأصرّ عليه بقبول هذا العرض والطلب ، وعند ما سمع داود هذا الكلام تأثر كثيراً و (قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ)(٣) ثمّ ذكر داود لهذين الأخوين أنّ هذه الحالة تكاد تكون طبيعية لدى بني البشر وخاصة في حالة الشركة مع بعضهم فيتحرك بعضهم من موقع الظلم والاجحاد بحقّ البعض الآخر ، باستثناء المؤمنين الّذين يمنعهم إيمانهم من سلوك طريق الباطل وقال لهما (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ).
ونقرأ في ذيل الآية الكريمة (وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ)(٤).
__________________
١ ـ سورة هود ، الآية ٨٧.
٢ ـ سورة ص ، الآية ٣٣.
٣ ـ سورة ص ، الآية ٣٤.
٤ ـ سورة ص ، الآية ٣٤.