الإنسان إلى الكمال المعنوي ويدفعه نحو طريق السعادة الخالدة ، فهذه الصفات إنّما تكون ذميمة وقبيحة فيما لو لم يستخدمها الإنسان في الطريق الصحيح واللائق ، وفي الحقيقة أنّ هذه الصفات مثل سائر الصفات النفسانية الّتي إذا لزمت حدّ الاعتدال تُعدّ فضيلة وإذا تجاوزت إلى جهة الافراط أو التفريط فإنّها تكون من الرذائل.
وعلى أيّة حال فالآيات أعلاه تبين أنّ القرآن الكريم دعا جميع الناس إلى الإيمان والصلاة والدعاء والإنفاق في سبيل الله لإطفاء نار الحرص والبخل والجزع في وجوده وواقعه النفساني.
«الآية السادسة» تستعرض واقعة من الوقائع الّتي جرت في زمان صدر الإسلام حينما كان المسلمون يعيشون القحط والجوع وغلاء الأسعار ، وهناك وردت قافلة إلى المدينة محملة بالبضائع والمواد الغذائية من الشام وقد صادف دخول هذه القافلة الظهر من يوم الجمعة حيث كان النبي يخطب في الناس خطبتي الجمعة.
وقد كان المتعارف في ذلك الزمان أنّه عند ما تَرد قافلة إلى مدينة معيّنة تُدق الطبول ويُعزف على آلات الموسيقى حتّى يجتمع الناس بسرعة لشراء ما يحتاجونه من هذه القافلة ، وعند ما سمع المصلون صوت القافلة الواردة إلى المدينة ترك بعضهم من الّذين أسلموا حديثاً صلاة الجمعة وتوجّهوا إلى السوق لشراء البضاعة من القافلة في حين لم يكن لذلك ضرورة لازمة وكان من الممكن التوجّه إلى القافلة بعد إتمام صلاه الجمعة ، وعلى أيّة حال فلم يبق في المسجد سوى اثنا عشر رجلاً وامرأة واحدة ، فنزلت الآيات أعلاه تذم هؤلاء الّذين تركوا صلاة الجمعة بدافع الحرص على زخارف الدنيا ، وقد ورد في الحديث الشريف أنّ النبي قال حينها : لو لم يبق هؤلاء النفر لأمطرت السماء حجارة على الناس.
ويُستفاد من سياق الآية أعلاه أنّ التوجّه إلى السوق والقافلة لم يكن بدافع من تأمين الحاجات الضرورية للمعيشة بل بدافع من الهوى وسُماع الألحان الموسيقية لدى البعض ، وقد يكون بدافع من التجارة والربح المادي لدى البعض الآخر.