مذهبهم أن الله لا يفعل بعبده إلا [ما هو الأصلح](١) له في الدين والدنيا في حقه ، فهذا جملة اعتقادهم ، ثم هم لا يعرفون الوجه الذي صار أصلح في كل شيء على الإشارة إليه ؛ لأنهم يقولون : في إبقاء إبليس اللعين إلى اليوم المعلوم صلاح ، وإن كنا لا نعرف الوجه الذي لأجله صار أصلح ، وإفناء الأنبياء والرسل ـ عليهمالسلام ـ كان (٢) أصلح وإن لم نعرف من أي وجه صار أصلح؟! فليقولوا هاهنا بأن إيتاء الملك إن كان أصلح لهم لم يكن له ألا يؤتيهم ، وإن كان شرّا فعليه ألا يؤتيهم ؛ لئلا يجعلوا الأمر على النفي.
ثم الملك اسم عام ، وهو عبارة عن نفاذ التدبير والسلطان والولاية ، والملك هو أن يكون للمالك خاصة في الشيء ، لا يتناول من ذلك الشيء إلا بإذنه ، وقد يكون المرء مالكا ، وليس بملك ، وقد يكون ملكا ليس بمالك ، فكل واحد من الوجهين يقتضي معنى [غير ما](٣) يقتضيه الآخر.
وجائز أن يكون [تأويل](٤) قوله : (بِيَدِهِ الْمُلْكُ) ، أي : ملك كل من ملك من أهل الأرض بيده ؛ لأنه إن شاء أبقى له الملك ، وإن شاء نزعه ؛ فما من ملك في دار الدنيا إلا وملكه في الحقيقة لله تعالى.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
امتدح نفسه تعالى [بأنه على ما يشاء قدير ، وذلك من أوصاف ربوبيته أيضا ومن قول المعتزلة](٥) : إنه على أكثر الأشياء غير قدير ؛ لأنهم يجعلون المعدوم شيئا ؛ فشيئية الأشياء كانت بأنفسها لا بإنشاء الله تعالى ، ويجعلون ظهورها بالله ـ تعالى ـ فقط ، وإذا كان كذلك فإنه (٦) لم يصر قادرا على شيئية الأشياء ، وكذلك ينفون الخلق والقدرة على أفعال العباد.
ومن قولهم ـ أيضا ـ : إن إقدار العبد بيد الله ، وإذا أقدر عبدا من عبيده على الهداية ، خرجت القدرة من يده ؛ فتصير (٧) هذه القدرة مستفادة لا ذاتية ، وإذا كان كذلك فقد نفوا
__________________
(١) في أ : الملك أصلح لهم.
(٢) في ب : إن كان.
(٣) في أ : لم.
(٤) سقط في ب.
(٥) بدل ما بين المعقوفين في ب : بأنه على كل شيء قدير ، وذلك من الأوصاف اللازمة للربوبية أيضا ، وقول المعتزلة.
(٦) في ب : فهو.
(٧) في أ : فكثير.