أو يكون أحدهما على بصر الوجه ، والثاني على بصر القلب.
والأشبه أن يكون على بصر القلب ؛ لأنه قد سبق (١) منه النظر إلى السموات والأرضين ببصر الوجه ، وسبق منه العلم من حيث النظر أنه لا تفاوت فيها ولا فطور ، فدعاه إلى أن ينظر ببصر القلب ؛ ليدله ذلك على المعاني التي ذكرناها ؛ وهو كقوله ـ تعالى ـ : (فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) [آل عمران : ١٣٧] ، وقال تعالى : (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) [الروم : ٩] ، ولم يرد به السير بالأقدام ؛ إذ قد سبق منهم السير فيها ، ولكن معناه : أو لم يتفكروا في عواقب من تقدمهم من مكذبي الرسل أنهم بأي سبب أهلكوا؟ ولأي معنى عوقبوا واستؤصلوا؟
ثم قوله : (فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ. ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ ..). الآية منهم من قال : إن الكرتين هاهنا كناية عن مرة بعد مرة ، ليس على تثنية (٢) العدد ، فكأنه أمره أن يكون أبدا معتبرا ناظرا في خلق الرحمن ؛ وإلى هذا يذهب الحسن والأصم.
وجائز أن يكون قوله : (كَرَّتَيْنِ) مرتين ، ولكن على اختلاف (٣) الوقتين ؛ فيكون أحد النظرين [بالليل](٤) والآخر (٥) بالنهار ؛ لأنه يرى بالليل آيات وبالنهار آيات سواها ، وثبوت كل ذلك يدل على وحدانيته وعجيب حكمته ونفاذ قدرته وسلطانه.
أو أن تكون النظرة الأولى ببصر الوجه والنظرة الثانية ببصر القلب ؛ لأنه إذا نظر النظرة الأولى ببصر وجهه ، فرأى (٦) ما فيه من العجائب أشعر قلبه ما رأى ، فينظر فيه مرة أخرى ببصر القلب ؛ ليتأكد ذلك ويتكرر.
ويجوز أن يكون النظران جميعا ببصر الوجه ؛ لأنه لا يستوعب النظر بالجملة في المرة الأولى ؛ فينظر [مرة أخرى](٧) ؛ ليدرك ما غاب عنه في المرة الأولى.
وقوله ـ عزوجل ـ : (خاسِئاً).
أي : صاغرا مستسلما معترفا بالقصور عن درك كنه سلطانه والإحاطة بعظمته وجلاله.
(وَهُوَ حَسِيرٌ).
أي : منقطع عن درك بلوغ حكمته ونفاذ أمره.
__________________
(١) في أ : سهل.
(٢) في أ : تثبيت.
(٣) في ب : خلاف.
(٤) سقط في ب.
(٥) في أ : وثانيتها.
(٦) في ب : فيرى.
(٧) في ب : في المرة الأخرى.