نحتاج إلى معرفة ذلك ؛ لأن الصوت المنكر أمر ظاهر ممن لا يعقل الصوت كهو [من الذي يعقل](١) ، فليس الذي يعقل الصوت أولى أن يجعل الفعل له من الذي لا يعقل.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَهِيَ تَفُورُ. تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ).
أي : تغلي ، ثم النار بنفسها لا تغلي ، وإنما تغلي بالذي يجعل فيها ؛ ففيه أن طعامهم وشرابهم في النار النار [فيغلي النار بطعامهم وشرابهم](٢).
وقوله : (تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ).
فجائز أن يكون [هذا](٣) كناية عن الخزنة.
وجائز أن يكون هذا وصف النار ، ولله تعالى أن يجعل في جهنم ، وفيما شاء من الأموات ما يعرف به عظمته وجلاله ، فيغضب له على أعدائه غضبا يكاد أن ينقطع في نفسه ؛ ويسلم لأوليائه.
ثم في ذكر غضبها تذكير أن من حق الله تعالى على أوليائه أن يغضبوا له على أعدائه غضب جهنم عليهم ، بل جهنم أبعد عن أن تمتحن بذلك منا ، ثم هي بلغت من الغضب على أعداء الله تعالى مبلغا كادت تتقطع بنفسها ، فالأولياء أحق أن يوجد منهم هذا الوصف ، وقد مدح الله تعالى الذين مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ؛ لما [وجد](٤) فيهم من الشدة على الأعداء ، وذلك قوله ـ تعالى ـ : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ) [الفتح : ٢٩] ، وقال : (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) [المائدة : ٥٤] ، وهكذا الحق على كل مؤمن أن يكون على هذا الوصف.
وفيه حكمة أخرى : وهي (٥) أنه ذكر شدة النار على أهلها ؛ لئلا يقولوا يوم القيامة : (إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ) [الأعراف : ١٧٢].
وقوله ـ عزوجل ـ : (كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ) [ينذركم لقاء يومكم هذا](٦)(قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ).
وهذا هو إخبار عن نهاية أمرهم وآخر شأنهم ؛ وذلك أنهم فزعوا في الآخرة إلى (٧) اليمين بالكذب ، فقالوا : (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) [الأنعام : ٢٣] ؛ رجاء أن ينفعهم ذلك
__________________
(١) في ب : ممن لا يعقل.
(٢) سقط في ب.
(٣) سقط في ب.
(٤) سقط في ب.
(٥) في أ : وهو.
(٦) سقط في أ.
(٧) في أ : و