فجوابه : أن المؤمن ليس يرى كل خلاصه من العذاب وأمنه من العقاب بعمله حتى إذا وجد التقصير في العمل أظهر ذلك المعنى فساد الرجاء والخوف ، وإنما يتوقع خلاصه بتوفيق الله وعفوه ، ويرجو رحمته ؛ بكرمه وجوده ؛ لذلك لم يوجب التقصير في العمل إبطال الرجاء والخوف ، وهذا إذا كان غير معتزلي المذهب ولم يكن من الخوارج ، فأما إذا كان الراجي والخائف أحد هذين ؛ فتقصيره في العمل يدل على فساد الرجاء والخوف ؛ لأن كل واحد منهما ليس يرى لنفسه شفيعا إلا عمله ، به ينجو وبه يهلك ، فإذا لم يبالغ في الطلب من جهة العمل ، ولم يبالغ في الهرب من الخوف بالعمل ـ ظهر أنه ليس براج ولكنه متمنّ ، وتبين أنه غير خائف في الحقيقة.
ثم المعتزلة لا يخافون الله تعالى ولا يرجون رحمته في الحقيقة ؛ لأنهم يزعمون أن العبد إذا ارتكب الكبيرة ، فليس لله ـ تعالى ـ ألا يعذبه عليها وأن (١) يغفرها له ، وإذا اجتنب الكبيرة استوجب المغفرة وإن ارتكب الصغائر ، وليس لله ـ تعالى ـ أن يعذبه عليها ، والقائل بهذا غير راج لرحمة الله تعالى ، ولا خائف من عذابه ، وإنما يقع الخوف والرجاء من عند نفسه ؛ لأن الزلة التي استوجب بها العذاب فهو الذي اكتسبها ، ولو لم يعملها ، لم يعذب ، وفاز بالنجاة ؛ فصار رجاؤه وخلاصه بعمله ، لا برحمة الله تعالى وفضله ، ولا بذلك وصف الله تعالى المؤمنين في كتابه ، ولأن الله تعالى أثنى على الذين يدعونه ؛ خوفا وطمعا ورغبا ورهبا ، وعلى قول أهل الاعتزال لا يدعو أحد ربه على الرغبة والرهبة والخوف والطمع ؛ لأن الداعي إن كان صاحب كبيرة فهو فيما يدعو الله تعالى ؛ ليغفر له ، إنما يدعو ليجور عليه ؛ إذ لا يسعه أن يغفر له ولا يعذب عليه ، فدعاؤه بالمغفرة معناه يقتضي أن جر عليّ ، وذلك عظيم ، وإن كان صاحب صغيرة فهو فيما يطلب المغفرة منه ـ تعالى ـ يسأله ألا يجور عليه ؛ لأنه ليس له أن يعذب على الصغائر على مذهبه ولو عذب صار به جائرا ، فإذا خاف عذابه حتى إذا فزع إلى الدعاء ، فقد خاف جوره ، ومن لم يأمن من ربه الجور بل خاف ذلك منه ، فهو لم يعرف ربه حقيقة المعرفة ؛ وكذلك من دعا الله تعالى ؛ ليجور عليه ، فقد دعا إلى أن يسفه ، والسفيه لا يصلح أن يكون إلها ؛ فثبت أن الداعي على الرغبة والرهبة غير ممدوح عنده ، ولا هو ممن يستحق الثناء عليه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ).
أي : من يرجو الله تعالى ويخافه ، فله مغفرة لذنوبه ، وأجر كبير ، وهو الجنة.
__________________
(١) في ب : أن لا.