الفعل الذي يوجد من الطائر الطيران إذا طار والوقوف إذا قبض ، ثم أضاف فعل الإمساك ؛ وكل ذلك إلى نفسه.
وذكر عن جعفر بن حرب في قوله : (ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللهُ) [النحل : ٧٩] : أن الإمساك كناية عن التعليم وعبارة عنه ؛ لأنه قد يعبر بالإمساك عن التعليم ؛ يقول الرجل لآخر فيما يعلم الرماية : أمسكت على يده حتى رمى (١) ، فيريد به ، أي : توليت تعليمه الرماية ، فقوله : (ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمنُ) أي : ما يعلم إمساكهن وقت الطيران إلا الله تعالى ؛ وكذلك وقت القبض.
والجواب عن هذا أن القائل يقول : (أمسكت على يده حتى رمى) ، إنما يستجيز إطلاق هذا اللفظ من نفسه إذا وجد منه فعل الإمساك في وقت ما يهم الرامي بالرمي ، وأما إذا لم يوجد منه في ذلك الوقت فعل الإمساك ، لم يستقم أن يقال (٢) : أمسكت على يده ، وإن كان هو الذي علمه الرمي ؛ ألا ترى أن من علم آخر الخياطة حتى اهتدى الخياطة إذا خاط ثوبا ، لم يستجز أستاذه أن يقول : أنا الذي خطته ، وإن كان هو الذي علمه الخياطة ؛ وكذلك من بنى بناء ، لم يستقم من أستاذه أن يضيف فعل البناء إلى نفسه ؛ فيقول : أنا الذي بنيته ، ويريد به : أنا الذي علمته ، وإذا لم يستقم هذا ، بطل أن يضاف فعل الإمساك إلى الله تعالى ، ولا فعل له في ذلك سوى التعليم ، فلو كانت الإضافة إليه من حيث التعليم ، لجاز أن ينسب إليه فعل الخياطة وفعل البناء والحياكة ، فيقال : خائط وبان وحائك ؛ لأنه هو الذي علم ، وإذا بطل أن ينسب إليه ما ذكرنا من الأفعال وإن كان هو الذي علم الخلق ، بطل أن ينسب إليه فعل الإمساك من حيث التعليم ، والله الموفق.
واحتج جعفر بن حرب ـ أيضا ـ في نفي الفعل عن الله تعالى ، فقال : إن الله ـ تعالى ـ لم يقل : ما خلق طيرانهن إلا الله ولا خلق القبض إلا الله ، وإنما قال : (ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمنُ) ، فثبت أنه لا صنع له في الإمساك ، وبان أن الذي أضيف إليه من الإمساك هو على الوجه الذي ذكرنا.
فالجواب عن هذا : أن الأمة فهمت من قوله : (ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمنُ) ما يفهم من قوله : ما خلق طيرانهن وقبضهن إلا الله ؛ إذ هو يقتضي ما يقتضيه ذكر الخلق ، وإذا كان كذلك ، فلا فرق بين أن يضيف الخلق نفسه ، وبين أن يضيف فعل الإمساك ، ثم لو ذكر
__________________
(١) في ب : يرمي.
(٢) في أ : يكون.