يعذب على الصغائر ؛ لأن رسول الله صلىاللهعليهوسلم مع من سبقه من الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ قد عصموا عن ارتكاب الكبائر ؛ فلا يجوز أن يرتكبوا الكبائر فيهلكوا لأجلها ؛ فثبت أنهم لو أهلكوا لأهلكوا بالصغائر ، فلو (١) لم يكن لله ـ تعالى ـ أن يعذب أهل الصغائر ، لصار هو بإهلاكه إياه بمن معه جائرا ظالما ، وجل الله تعالى عن الوصف بالجور ، وقال ـ تعالى ـ : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) [الفتح : ٢] ، ولو لم يكن لله ـ تعالى ـ أن يعذب على (٢) الصغائر أحدا ، لم يكن له على رسوله صلىاللهعليهوسلم موضع الامتنان بما غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
ثم الحق أن يقال : إن جميع الخوارج والمعتزلة لا يجوز أن يغفر الله تعالى لهم ؛ لارتكابهم (٣) الكبائر ، وإنما هذا الرجاء الذي ذكرنا لغيرهم من منتحلي الإسلام ؛ لأنهم يقولون : لا يجوز أن يغفر الله تعالى لأهل الكبائر ، ولا أن يتطول عليهم بالعفو ، بل حق أمثالهم أن يخلدوا في النار أبد الآبدين ، وإذا كان هذا هو الحكم فيهم ، فالله تعالى إن غفر لهم ومن عليهم بالعفو ، وقع عندهم أنه إنما عفا عنهم ؛ لأن الذين ارتكبوا من المآثم لم تكن كبائر بل كانت صغائر ؛ إذ لا يجوز المغفرة عن الكبائر ؛ فيحصل العفو في غير موضعه والإحسان في غير موقعه ، وأما غيرهم من منتحلي الإسلام فهم يرجون عفوه وسعة رحمته في كل آثامهم (٤) ، فإذا تفضل عليهم بالمغفرة وقع العفو عندهم موقعه ؛ فلا يكون فيه تضييع الإحسان ، تعالى الله عما يقول الظالمون علوّا كبيرا.
ثم [قوله عزوجل](٥) : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللهُ وَمَنْ مَعِيَ).
أي : قل إن أهلكني الله ومن معي بما سبق من الأجرام والزلات ، أو رحمنا بما سبق منا من الإيمان به والانقياد لأمره والخضوع لطاعته ، (فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ) أي : أي شيء يجير الكافرين من عذابه ، ولم يسبق منهم إلى ربهم حسنة يرحمون لأجلها ، ولا طاعة يستوجبون الغفران بها؟! أو فمن يجيرهم من عذاب الله تعالى إن حل بهم؟! فكأنه قيل له : [قل لهم](٦) : هذا لأنهم كانوا يعبدون الأصنام ؛ رجاء أن تنصرهم من العذاب [الأليم](٧) ، فيقول : لا تجيرهم تلك الأصنام من العذاب الأليم ، والله أعلم.
__________________
(١) في أ : فلم.
(٢) في أ : عن.
(٣) في ب : بارتكابهم.
(٤) في أ : أيامهم.
(٥) سقط في ب.
(٦) في ب : يحل به.
(٧) سقط في ب.