وقوله ـ عزوجل ـ : (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ).
يخرج على هذا ـ إن شاء الله تعالى ـ : هو أنك لو تركت ذكر آلهتهم بسوء ، ولم تسفه أحلامهم ؛ لامتنعوا هم أيضا عما هم عليه من نسبتهم إياك إلى الجنون والسحر والكذب وغير ذلك ، ولكنه كان يذكرهم [بما يذكرهم](١) وهو في ذلك محق ، وهم كانوا يذكرونه بما قالوا بالباطل والزور ؛ فيكون قوله : (فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ) فيما يدعونك إلى المداهنة ، ثم هم لو داهنوا كانوا في مداهنتهم محقين ، فإذا تركوا ذلك فقد تركوا الحق الذي كان عليهم ، ورسول الله صلىاللهعليهوسلم لو داهنهم ، لم يكن في مداهنتهم محقّا ؛ فلذلك نهي عن المداهنة.
وقال بعض [أهل التفسير](٢) : (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) ، أي : لو ترفض ما أنت عليه من الدين ؛ فيرفضون ما هم عليه من الدين ؛ وهذا لا يستقيم ؛ لأنه إذا رفض ما هو عليه من الدين كفر ، وهم لو تركوا ما هم عليه ، صاروا مسلمين ، [فيبقى بينهم الاختلاف](٣) الذي لأجله دعوا إلى المداهنة وودوها.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ).
قيل : إن هذه الآيات نزلت في واحد يشار إليه ، وهو الوليد بن المغيرة المخزومي ، وفيما يشار إلى واحد لا يطلق فيه لفظة «كل» فيقال : (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ) ، والحلاف المهين ليس إلا واحدا ، ولكن معناه : ولا تطع هذا ولا كل من يوجد فيه هذه الصفة ، ثم ذكر المرء بقوله : (حَلَّافٍ مَهِينٍ. هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ. مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ) يخرج مخرج الهجاء والشتم في الشاهد ؛ لأن ذكر المرء بما هو عليه من ارتكاب الفواحش والمساوى تهجين [له](٤) وشتم ، وجل الله ورسوله [أن يقصدوا إلى شتم إنسان](٥) ، فالآية ليست في تثبيت فواحشه ، وإنما هي في موضع التوبيخ والزجر عن اتباع مثله ، وذلك أنه كان من رؤساء الكفرة ، وممن بسطت عليه الدنيا ؛ فكان القوم يتبعونه وينقادون له فيما يدعوهم إلى الصد عن سبيل الله ، فذكر الله تعالى فيه هذه الأشياء ، وأظهرها للخلق ؛ ليزهدهم عن اتباعه ؛ إذ كل من كانت فيه هذه الأحوال ، لم تسخ نفس عاقل باتباعه ، ولا احتمل طبعه طاعة مثله ؛ فلا يتمكن من صد الناس عن سبيل الله تعالى ،
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) في أ : المفسرين.
(٣) في ب : فيبقى الاختلاف بينهم لاختلاف.
(٤) سقط في ب.
(٥) في ب : أن يشتموا إنسانا أو يقصدوا ذلك.