ذكر من العلامة ، فكيف عير بهذه الأشياء ، ولم يكن له في ذلك صنع ، والمرء إنما يعير بما له فيه صنع لا بما لا صنع له فيه؟!
فيجاب عن هذا من وجهين :
أحدهما : ما ذكرنا : أن ذكره بما فيه من العيوب ليس لمكان المذكور نفسه ، ولكن لزجر الناس عن اتباعه ؛ لأن من اشتمل على العيوب التي ذكرها ، وكان مع ذلك عتلا زنيما ، فأنفس الخلق تأبى عن اتباعه ، ففائدة تعييره بما أنشئ عليها ما ذكرنا من الحكمة لا تعييره.
والثاني : أن ذكر أصله كناية عن سوء فعله ؛ ليعلم أن خبث الأصل يدعو الإنسان إلى تعاطي الأفعال الذميمة ، وصحة الأصل و [حسنه ونقاوته](١) يدعو صاحبه إلى محاسن الأخلاق وإلى الأفعال المرضية.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ).
فيخبر أن من يتبعه ، يتبعه لكثرة أمواله وبنيه ؛ وذلك لأن كثرة المال للإنسان من أحد ما يستدعي قلوب الخلق إلى تعظيمه ، فذكر ما فيه من العيوب والمساوى ؛ لئلا يستميل قلوب الضعفة إلى نفسه بماله ، فيقول : كيف تتبعونه وهو بهذا الوصف الذي وصفه الله تعالى؟!
ثم أخبر عن معاملته رسول الله صلىاللهعليهوسلم بقوله : (إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) ، ثم قوله : (إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) ، وإن كان عامّا بظاهره ، لكن لم يرد به العموم ؛ لأن [قوله :] (إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) [الأنعام : ٢٥] ليس في كل الآيات ، وإنما هو في الآيات التي هي في حق الإخبار عن الأمم السالفة ، وأما إذا تليت عليه الآيات التي فيها دلالة إثبات الرسالة ودلالة التوحيد ودلالة البعث ، فقوله فيها ما قال في سورة المدثر : (إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ. إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ) [المدثر : ٢٤ ، ٢٥] ، وهذا دليل على أنه لا يجب اعتقاد ظاهر العموم ما لم يعلم بيقين ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ).
قيل (٢) : شينا لا يفارقه ، فجائز أن يكون جعل هذا في الدنيا ؛ لكي يعلمه ويذكره من رآه فيجتنب صحبته ؛ فهو يصير شينا من هذا الوجه ؛ فيخرج هذا مخرج العقوبة لشدة تعنته
__________________
(١) في أ : وحبه وتفاوته.
(٢) قاله قتادة أخرجه ابن جرير (٣٤٦٢٩) وعبد الرزاق وعبد بن حميد عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٣٩٤).