التجارة واللهو لا يريان في الحقيقة ، وإنما يرى اللاهي والتاجر ، ولكنه ذكر فيه الرؤية ؛ لقرب اللهو من اللاهي والتجارة من التاجر ، كما قال تعالى : (حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ) [التوبة : ٦] وكما يقال : سمعت كلام فلان ، والكلام ليس بمسموع في الحقيقة ، وإنما المسموع في ذلك الصوت الذي به يفهم كلامه ، ولكن أطلق لفظ السماع في ذلك لتقاربهما ، والله أعلم.
وبعد ، فإن المعنى من هذا ـ والله أعلم ـ ليس نفس الرؤية ؛ وإنما المعنى منه عندنا : كأنه قال : (وإذا علموا) ؛ وذلك أنهم كانوا لا يرون التجارة ، ولكن ينهى إليهم خبرها فيعلمون بها.
وقوله ـ عزوجل ـ : (انْفَضُّوا إِلَيْها).
ولم يقل : (إليهما) وقد ذكر شيئين ، ولم يلحق ما بعدهما من الكناية بهما ، بل بأحدهما ، ويجوز مثل ذلك ؛ كقوله : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها) [التوبة : ٣٤] ، ولم يقل : (ولا ينفقونهما) لرجع الكناية إلى جميع ما سبق ذكره ، وكما قال : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ) [البقرة : ٤٥] وقد رجعت الكناية إلى أحد المذكورين لا إليهما ، وكذلك هذا ، وهذا ؛ لأن المقصود من خروجهم إنما كان هو التجارة دون اللهو ، ولكنهم إنما يعلمون ما يجلب إليهم بذلك اللهو ؛ فجاز أن يكون ذكر الله لهذا المعنى ، وإنما المقصود من ذلك التجارة ، وكذلك قوله : (وَلا يُنْفِقُونَها) [التوبة : ٣٤] فذكر حق الإنفاق فيما كان الإنفاق منه أيسر وأسهل في المتعارف وذلك الفضة ، وإن كان الحق واجبا فيهما جميعا ؛ لما أن المقصود [واحد] وهو الصرف إلى الفقراء فعلى ذلك هاهنا ، وأما المعنى منه عندنا : إنما خص الصلاة برجوع الكناية إليها ؛ لأنها ثقلت على اليهود ؛ لأن القبلة كانت أولا إلى بيت المقدس فلما حولت إلى الكعبة ثقلت الصلاة إلى الكعبة على الكفار ، فقال : (وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ) [التوبة : ٣٤] يعني : الصلاة إلى الكعبة ، والله أعلم.
فإن قيل : كيف جاز أن ينفر أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو في الخطبة إلى اللهو والتجارة ، مع جلال قدرهم وتعظيمهم للنبي عليهالسلام ، وكذلك السؤال عن ضحكهم حين دخل الأعمى المسجد فوقع في بئر؟!
والجواب عن هذا أن القوم كانوا حديثي عهد بالإسلام ، وكانوا من سوقة القوم ومن سفلتهم ، ولم يكونوا عرفوا حق الخطاب وحق الخطبة عليهم ، وكانت تلك تجارة يأملون منها منافع لو لم يبادروا إليها ذهبت عنهم ، فإنما خرجوا من المسجد ؛ جهلا منهم بحق