وقوله ـ عزوجل ـ : (فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ).
أي : رحمة الله ؛ هذا خرج في الظاهر مخرج الأمر ، ولكنه في حكم الإباحة عندنا ؛ لأن هذا أمر خرج على أثر الحظر ، والأصل المجمع عليه عندهم : أن كل أمر خرج على أثر الحظر فهو في حكم الإباحة ، وما خرج مخرج الإباحة فإن الحكم فيه يتصرف على تصرف الأحوال ، فإن كانت الحالة توجب فرضيته كان فرضا ، وإن كانت توجب واجبا فواجب ، وإن أدبا فأدب.
والدليل على أن كل أمر خرج على أثر الحظر ، فهو في حق الإباحة ـ قوله تعالى : (وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا) [المائدة : ٢] ، وقوله : (فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ) [البقرة : ٢٢] ، ولم يكن ذلك محمولا على الفرض والحتم الذي لا يجوز تركه ، ولكن على إباحة الاصطياد ، أي : اصطادوا [إن] شئتم ، وأتوهن إن أردتم ، فكذلك يجوز أن يكون المعنى من قوله : (فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ) على ذلك الوجه ، وإذا كان الأمر على هذا السبيل صار كأنه قال : فإذا قضيت الصلاة التي نودي لها ، فانتشروا في الأرض إن أردتم أو إن شئتم ، والله المستعان.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ).
يعني : التجارة والكسب ، قال : البيع ؛ كأنه ينتظم ابتغاء فضل الله ، لكن قال فيما خرج [مخرج] الإذن والإطلاق : (وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ) ، وقال فيما نهى عن ذلك : (وَذَرُوا الْبَيْعَ) ، وإن كان المراد منهما جميعا البيع ؛ لأن كان يقبح أن يقول : وذروا ابتغاء فضل الله ؛ ولأن ابتغاء الفضل يتضمن البيع وغيره ؛ فلا يستقيم أن يقال : «وذروا ابتغاء فضل الله» ، فقال هاهنا (وَذَرُوا الْبَيْعَ) ؛ ليلحقه النهي خاصة ، وأما الإطلاق والإذن ، فإنه يستقيم في البيع وغيره ، فقال : (وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ) ، والله المستعان.
وقوله : (وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً) ، يحتمل وجهين :
أحدهما : اذكروا الله كثيرا بألسنتكم وقلوبكم.
والثاني : اذكروا الله بالإقبال على الطاعات التي فيها تحقق ذكر الله.
وقوله : (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ، له أوجه :
أحدها : على رجاء الفلاح.
والثاني : أي : لكي تفلحوا.
والثالث : على قطع وجوب الفلاح إذا فعل ذلك ؛ بما قالوا : إن (لعل) و (عسى) من الله تعالى واجب.
وقوله : (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً).