وبين العدو [والكفور] والشكور ، فأنتم إذا أنكرتم البعث ، فقد زعمتم على [الله تعالى أنه](١) يجعل المسلمين كالمجرمين والكفور كالشكور والعدو كالولي ، ومن فعل هذا فهو سفيه لا يصلح أن يكون حكيما ، ففي إنكار البعث تحقيق السفه وإثبات الجور ؛ لأن من الجور أن يجمع بين الولي وبين العدو في الجزاء.
ومن ادعى الوجه الآخر ، وهو التسوية بين الفريقين ؛ لما تساويا في منافع الدنيا ومضارها وفي لذاتها وشدائدها وبلياتها ، فعلى ذلك يكون أمرهم في الآخرة.
فجوابهم في ذلك أن الدنيا هي دار يظهر فيها العدو من الولي والشكور من الكفور ، والآخرة دار جزاء العداوة والولاية.
فجائز أن يقع فيما فيه ظهور الولاية والعداوة اتفاق ، ولا يجوز وقوع الاتفاق فيما فيه الجزاء ؛ لأن الجزاء لعداوة سبقت ولولاية سبقت ، والحكمة توجب التفرقة بين الجزاءين ؛ فلا يجوز أن يجعل المسلم فيه كالمجرم ؛ لما فيه من تضييع الحكمة ، وليس قبل المحنة معنى يوجب التفرقة بينهما في المحنة [فجاز أن يقع بينهما الاتفاق في ذلك ، ولأنه لو كان يفرق بينهما في الدنيا ، لكانت المحنة تخرج عن حدها ، والدنيا هي دار المحنة](٢) ، وإنما قلنا : إن فيه إخراج المحنة عن حدها ؛ لأن المحنة تكون على الرجاء والخوف ، والرغبة والرهبة ، فلو فرق بين [العدو والولي](٣) في الدنيا ؛ فوسع على الأولياء ، وضيق على الأعداء لوقع اختيار وجه الولاية على الضرورة ؛ لأن من علم أنه يضيق عليه إذا اختار وجه العداوة ، ويتعجل (٤) عليه العذاب ، ترك ذلك الوجه ، ومال إلى الولاية ؛ فيرتفع وجه المحنة ؛ فلذلك جاز أن يجمع بين الولي والعدو في دار المحنة ؛ ليبقى وجه المحنة بحاله ، ولم يجز أن يجمع بينهما في الآخرة ؛ لأنها دار جزاء ، والعقل يوجب تفرقة جزائهما ، والله الموفق.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) ، في أحكم الحكماء بالسفه ؛ حيث تزعمون (٥) أنه يجمع بين الولي والعدو في الجزاء ، وذلك من أعلام السفه.
أو كيف تحكمون في أحكم الحاكمين وأعدل العادلين بالجور ؛ إذ تزعمون أنه يجمع
__________________
(١) في ب : أن الله له أن.
(٢) ما بين المعقوفين سقط في أ.
(٣) في ب : الولي والعدو.
(٤) في ب : وتعجل.
(٥) في ب : زعموا.