بين الفريقين في دار الكرامة ، ومن الجور أن يجمع (١) بينهما ، وهم كانوا يقرون أن الله ـ تعالى ـ أحكم الحاكمين.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ).
فحاجهم أولا بما توجبه الحكمة ، وهو أنكم تعلمون أن الحكمة توجب التفرقة بينهما ، فإن كنتم تدعون الجمع فيما بينهما بالحكمة ، فأنتم تعلمون أن الحكمة توجب التفرقة بينهما ، وإن كنتم تدعون ذلك من كتاب الله ـ تعالى ـ فأي كتاب من عند الله جاءكم فيوجب التسوية بينكم وبين الأولياء؟! وأي رسول أخبركم أنكم تساوون الأولياء في نعيم الآخرة؟!.
ثم وجه المحاجة بالكتاب هو أن مشركي العرب لم يكونوا يؤمنون بالكتاب ولا بالرسل ، ولو كانوا يؤمنون بهما ، لكانوا يقدرون أن يقولوا : إن لنا كتابا درسناه ، فوجدنا فيه ما نذكر وندعي ، ورسول صلىاللهعليهوسلم قد أخبرنا بذلك ، ولكنهم إذا كانوا لا يؤمنون بهما صار هذا الوجه الذي ذكره الله ـ تعالى ـ نفي حجة لازمة عليهم ، والله أعلم.
وقوله : (إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ).
أي : وفي ذلك الكتاب تجدون أن لكم فيه لما تخيرون.
وقوله : (أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ).
وهذا أيضا صلة الأول ، أي : هل شهدتم الله تعالى أقسم لكم (٢) أنه هكذا كما تحكمون ؛ وهذا كقوله تعالى : (أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ) [البقرة : ١٣٣] وقوله : (إِذْ وَصَّاكُمُ اللهُ بِهذا) [الأنعام : ١٤٤] ، فأخذهم بالمقايسة أولا ؛ وهو كقوله (٣) تعالى : (قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ) [الأنعام : ١٤٦] ، فلما لم يتهيأ لهم تثبيت ذلك بالقياس والمعقول ، احتج عليهم بقوله : (أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللهُ بِهذا) [الأنعام : ١٤٤] ، وقد عرفوا أنهم لم يشهدوا ، وما ادعوه لا ثبات له إلا من الوجوه التي ذكرها ، وإذا لم يثبتوا بشيء من ذلك تبين عندهم فساد دعواهم ، فهذا أيضا مثله ، وهو أنه سألهم عن إيراد الحجة : إما من جهة الحكمة ، أو من جهة الكتاب ، أو من جهة الشهادة ، فإذا لم يثبت لهم واحد من هذه الأوجه فبأي وجه يشهدون على الله تعالى أنه يفعل ذلك.
وقوله : (بالِغَةٌ) أي : وكيدة ، أو بلغت إليكم عن الله تعالى.
__________________
(١) في أ : يقع.
(٢) زاد في ب : الله تعالى.
(٣) في ب : قوله.