يجب بتلاوته السجود.
ثم إن ذكر في أهل الكفر فإنما يراد (١) منهم الاستسلام بالاعتقاد ليس بعين الفعل ، وأهل الإسلام قد وجد منهم الاستسلام بالاعتقاد ، فيلزمهم أن يستسلموا من جهة الفعل ، فجائز أن يكون هذا لما عاين الشدائد والأفزاع ، استسلم لله ـ تعالى ـ وخضع له ؛ فلم يقبل ذلك منه ؛ لأن تلك الدار دار جزاء ، وليست بدار محنة.
والثاني : [أن السجود هو بذل](٢) النفس لما طلب منه طائعا ، وإذا أشرف المرء على الموت طلب منه في ذلك الوقت بذل روحه لا بذل نفسه ، فإذا كان كافرا بالله ـ تعالى ـ اشتد عليه بذل روحه ؛ لما يعلم أن مصيره إذا قبض إلى العذاب ، وكره ذلك أشد الكراهة ، كما قال ـ عليهالسلام ـ «من كره لقاء الله ، كره الله لقاءه ، ومن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه» (٣) ، فسئل رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن ذلك ، فقال : «ذلك عند الموت» ؛ فهو لما يرى من المكروه يحل به بعد الموت يكره قبض روحه ، فيكون قوله : (فَلا يَسْتَطِيعُونَ) إن كان المراد من قوله : (وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ) عند الموت [على ذلك](٤) ، والمؤمن إذا رأى ما أعدّ له من الكرامات ود أن يقبض روحه سريعا ليصل إلى الكرامات (٥) ، وإن كان هذا بعد البعث ، وأريد من السجود تحقيقه ، ففيه تذكير لهم أنهم لم يكونوا يمتحنون في الدنيا بالسجود ؛ لمنفعة تصل إلى الله تعالى أو لحاجة له إلى ذلك ، وإنما امتحنوا بالسجود ؛ لمكان أنفسهم ، إذ لو كان الامتحان لمنفعة تنال الله تعالى ، لما كانوا يمنعون عنه في القيامة ، والله أعلم.
وقال كثير من أهل الكلام : لا يجوز أن يمتحنهم الله تعالى بعد البعث بالسجود ؛ إذ تلك [الدار](٦) لبست بدار محنة ، وإنما الأمر بالسجود يخرج مخرج التوبيخ ؛ وكذلك زعم جعفر بن حرب أن هذا على التوبيخ ، يقال للرجل إذا كان مكثرا فذهب (٧) ماله ولم يؤد الزكاة ، ولا حج في حال يسره ـ يراد به التوبيخ ـ : حج الآن وزكّ الآن ، ليس يراد به إيجاد الفعل ، ولكن يريد به تذكيره وتوبيخه ؛ فهذا الذي قالوه يحتمل.
__________________
(١) في ب : أراد.
(٢) في ب : هو أن السجود بذل.
(٣) أخرجه البخاري (٦٥٠٧ ، ٦٥٠٨) ، وأحمد (٢ / ٤٢٠).
(٤) سقط في ب.
(٥) في ب : الكرامة.
(٦) سقط في ب.
(٧) في ب : قد ذهب.