وقيل : اشتق هذا الاسم للعذاب من أفعال من عذب به ليس أنها طاغية ، لكن أخذ اسمه عن فعل القوم ؛ كقوله تعالى : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) [الشورى : ٤٠] ، وقال : (فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) [البقرة : ١٩٤] ، وإنما ذلك كله جزاء سيئاتهم واعتدائهم.
وقيل (١) : (بِالطَّاغِيَةِ) أي : بطغيانهم وذنوبهم الذي سلف منهم ؛ كقوله تعالى : (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها) [الشمس : ١١].
ويحتمل أن يكون هذا صفة لأحوالهم التي كانوا عليها من شدة التمرد والعتوّ ومن طغيانهم التكذيب بالحاقة والقارعة ، ففيه تخويف لأهل مكة أن سيهلكهم الله ـ تعالى ـ إن لم ينتهوا عن التكذيب كما أهلك أولئك.
وقوله ـ عزوجل ـ (وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ).
قال الحسن : الريح الصرصر هي الصيحة (٢) ، وهي التي لها صوت.
وقال بعضهم (٣) : هي [الريح الباردة](٤) الشديدة البرد ؛ كقوله : (رِيحٍ فِيها صِرٌّ أَصابَتْ ..). الآية [آل عمران : ١١٧] ، والصر : البارد ، والصرصر المكرر منه ، فوصفها لدوامها وتكررها.
وقوله ـ عزوجل ـ (عاتِيَةٍ) فتأويلها على ما ذكرنا في الطاغية.
وذكر الكلبي وغيره : أنها سميت : عاتية ؛ لأنها عتت على الخزان فلم يطيقوها ، وهذا لا يستقيم ؛ لأنه لا يجوز أن يوكل الخزان على حفظها ، ثم لا يمكنون من الحفظ حتى تعتوا عليهم ، إلا أن يقال بأنهم لم يوكلوا بحفظها في ذلك الوقت ، فأما إذا وكلوا بحفظها ، ثم لا يجعل لهم إلى حفظها سبيل ، فهذا مستحيل ، والله الموفق.
وقوله ـ عزوجل ـ : (سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً).
قوله : (سَخَّرَها) قيل : أرسلها.
وقيل : أدامها عليهم.
وقيل : التسخير : التذليل ، أي : ذللها ؛ فصيّرها بحيث لا تمتنع عن المرور عليهم في الوجه الذي جعلها عليهم ، وأطاعته في الوجه الذي أرسلها ، وإنما أرسل الريح على أبدانهم خاصة ، لم تهلك شيئا من مساكنهم ؛ كقوله (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا لا
__________________
(١) قاله مجاهد أخرجه ابن جرير (٣٤٧٢١) وعبد بن حميد وابن المنذر عنه ، كما في الدر المنثور (٦ / ٤٠٥) ، وهو قول ابن زيد.
(٢) في أ : القبة.
(٣) قاله ابن عباس أخرجه ابن جرير (٣٤٧٢٥) وهو قول قتادة ومجاهد.
(٤) في ب : النار.