يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ) [الأحقاف : ٢٥] ، والريح إذا عملت على الأبدان ؛ فهي (١) على البنيان أكثر ، لكن الله تعالى لم يأمرها بذلك ، والله أعلم.
ثم قوله : (سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً) فيه تبيين أن الأيام لم تكن على عدد الليالي ، ولو كانا على عدد واحد ، لكان في ذكر أحد العددين ذكر العدد الآخر ؛ لأن تسمية الليالي تسمية للأيام ، وتسمية الأيام تسمية الليالي ؛ ألا ترى إلى قوله (٢) في قصة زكريا : (آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً) [آل عمران : ٤١] ، وقال في موضع آخر : (ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا) [مريم : ١٠] ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (حُسُوماً) ، قيل (٣) : متتابعة دائمة.
وقيل : قطعا ، [قطعا](٤) من الحسم ، يقال (٥) : حسمت الريح كل شيء مرت به حسما ، أي : قطعته.
وقيل : مشئومات حيث انقطعت بركتها عنهم.
وقوله تعالى : (فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى).
أي : أنك لو أدركتهم وشهدتهم وعاينتهم ، لرأيتهم صرعى.
(كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ).
وقال بعضهم : أي : ترى الأعضاء المتفرقة ، كل قطعة منها كأنها عجز نخلة ؛ إذ كانوا هم أعظم في أنفسهم من أعجاز النخل ، فيصرف تأويله إلى الأعضاء المتباينة.
ثم ذكر النخل هاهنا بالتأنيث ، فقال : (أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ) ، ووصف في سورة (اقْتَرَبَتِ) بصفة التذكير فقال : (كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) [القمر : ٢٠] ؛ لأن النخل يذكر ويؤنث ؛ كذا قاله الزجاج.
وقيل : النخل يذكر على كل حال ، لكن قوله : (خاوِيَةٍ) صفة الأعجاز لا صفة النخل ، والأعجاز جماعة ، والجماعة مؤنثة ، والنخل واحد فيذكر ، وليس كذلك ؛ لأن الخاوية صفة النخل ، ألا ترى عند الوصل يذكر بالخفض لا بالرفع.
ولأن النخل اسم جمع ، يقال : نخلة ونخل ؛ كما يقال : شجرة وشجر ، وثمرة وثمر ، ونحو ذلك.
__________________
(١) في أ : فهو.
(٢) في أ : أنه قال.
(٣) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير (٣٤٧٣٢) وعبد بن حميد عنه ، كما في الدر المنثور (٦ / ٤٠٦) وهو قول ابن مسعود ومجاهد وعكرمة وغيرهم.
(٤) سقط في ب.
(٥) زاد في ب : قطعت.