فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ) [المؤمنون : ١٠٥] ، وذكر فيه (١) إعطاء الكتاب بشماله ، وذكر فيه ما يبين أنه من أهل الكفر ؛ لأنه قال : (إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ. وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) [الحاقة : ٣٣ ، ٣٤] ؛ فثبت أن الوعيد المطلق ذكر في أهل الكفر ، وكذلك قال : (وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) [آل عمران : ١٣١] ولم يقل : أعدت للخلق ، وقال : (وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) [آل عمران : ١٣٣] ؛ فثبت أن أهل النار هم الكفار ، ثم المؤمنون قد تعرض منهم زلات ومآثم في هذه الدنيا ، والكفار يوجد منهم المحاسن فيها ، ولكن أهل الكفر يجزون جزاء حسناتهم في دنياهم ؛ لأنهم لا يؤمنون بالآخرة ، وإذا لم يؤمنوا بها لم يقع سعيهم لها ، وأمكن (٢) أن يكون المؤمن يجعل له العقاب بسيئاته في الدنيا فتخلص له الحسنات في الآخرة فيجزى بها.
وجائز أن تكفر (٣) سيئاته بالحسنات التي توجد منه ؛ لأن المحاسن جعلت (٤) سببا لتكفير المساوى ؛ قال الله ـ تعالى ـ : (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) [هود : ١١٤] ، وإذا كفرت سيئاته في الدنيا ، لم يعذب بها في الآخرة.
وجائز أن يكون الله ـ تعالى ـ يعذبهم بقدر ذنوبهم ، ثم يعفو عنهم [بحسناتهم التي](٥) سبقت منهم من الإيمان ، وغير ذلك ، فكل مؤمن ـ في الحقيقة ـ [آخره الجنة](٦) ، ويثقل ميزانه ، ويبيض وجهه ، ويعطى كتابه بيمينه.
ثم يجوز أن يكون الذي يعاقب بذنوبه من أهل الإيمان يعاقب به قبل أن يعطى كتابه بيمينه ، وقبل أن يبيض وجهه ويثقل ميزانه ، وقبل أن يبيض وجهه ، لم يكن مسود الوجه ، ولكن على ما عليه في الدنيا.
ثم متى عفي عنه؟ في (٧) الخبر «أن الناس يعرضون يوم القيامة ثلاث عرضات : فأما عرضتان ففيهما خصومات ومعاذير ، وأما العرضة الثالثة فتطاير الصحف في الأيدي» ، فيجوز أن يكون تعذيبه قبل العرضة الثالثة ، ثم يعطى كتابه في العرضة الثالثة بيمينه ؛ فتظهر له أعلام السعادة إذ ذاك ، [فإذا ثبت](٨) أن الوعيد المطلق إنما جاء في أهل الكفر ، لم
__________________
(١) في أ ، ب : في.
(٢) في ب : ولا أمكن.
(٣) في ب : تكون.
(٤) في ب : جعل.
(٥) في ب : بحسناتهم لأن التي.
(٦) في ب : أجره في الجنة.
(٧) في ب : وفي.
(٨) في ب : فثبت.