يلحق أهل الكبائر من أهل الإيمان بهم في الحكم ؛ بل وجب الوقف في حالهم (١) ؛ كما قال أصحابنا ، والله الموفق.
وقوله ـ عزوجل ـ (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) قال بعضهم (٢) : (هاؤُمُ) أي : تعالوا (٣).
وقال بعضهم : «ها» (٤) بمعنى : هاكم ؛ أي : خذوا ، فأبدلت الهمزة مكان الكاف ، فظاهر الآية أن المعطى له الكتاب ؛ يقول هذا ؛ يدعو الخلق إلى نحوه ، أو يناولهم الكتاب ؛ استبشارا وحبورا ، فيبشرهم بعفو الله ـ تعالى ـ عنه ورحمته عليه.
ولكن أهل التأويل صرفوا التأويل إلى المعطي ، فقالوا بأن المعطي هو الذي يقول هذا ؛ فكأن الذي كتب الكتاب في الدنيا من الملك هو الذي يعطي الكتاب إلى المكتوب عليه ، ويقول : (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) أي : [خذوا اقرءوا](٥) ما كتبت لكم وعليكم ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ) فإن حملته على حقيقة الظن ، فهو يخرج على ثلاثة أوجه.
أحدها : أي : إني ظننت في الدنيا أني ألاقي (حِسابِيَهْ) ، أي : الحساب الشديد فيما سبق من سيئاتي ، وأؤاخذ بها ، وأجازى عليها ، وظننت الساعة ألا أنجو من ذنوبي ؛ لفزع هذا اليوم ، فوجدت سيئاتي قد غفرت ، وخطاياي كفرت عني ؛ فيكون قوله منه هذا شكرا لله ـ تعالى ـ وإظهارا لمنته.
والثاني : أي : إني تركت في دار الدنيا إذا عرضت لي الحوادث من الزلات والهفوات ، ظننت أني ألاقي الله ـ تعالى ـ بها ، فأمسكت عنها ، وانزجرت عن إتيانها ؛ فيكون إخبارا عن بيان سبب نيل ذلك.
والثالث : أني تفكرت في أمري ؛ فظننت أن مثلي لا يترك سدى هملا ؛ فأدى ظني إلى اليقين ، فآمنت وصدقت الرسل ، فإنما نجوت بأول ظني وفكرتي.
ومنهم من صرف الظن إلى اليقين والعلم ، فقال : معنى قوله : (ظَنَنْتُ) أي : أيقنت ، وعلمت.
والأصل : أن كل يقين حدث في الأمور المستترة والعلوم الخفية فإنما يتولد ذلك على ظن يسبق ، فيحمله ذلك الظن على النظر فيه والبحث عن حاله حتى يفضي به إلى الوقوف
__________________
(١) في ب : أحوالهم.
(٢) قاله ابن زيد ، أخرجه ابن جرير عنه (٣٤٧٩٩).
(٣) زاد في ب : اقرءوا.
(٤) في ب : هو.
(٥) في ب : خذوا اقرءوا كتابيه واقرءوا.