وجائز أن يكون الوقف وإجمام الكلام ، وأهل النحو يسمّونه : هاء الاستراحة.
وقوله ـ عزوجل ـ (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ) ، وقال في موضع آخر (خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ) [الدخان : ٤٧] وهو السوق على العنف ، وقال في موضع آخر : (وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً) [مريم : ٨٦] ، فكأنهم ـ والله أعلم ـ يغلون ، وبدأ بالأمر بالإغلال ؛ لأن الناس في الدنيا يجتهدون كل الجهد في منع العذاب بأيديهم ، فأخبر أن أيديهم تغل في الآخرة ؛ فلا يتهيأ لهم دفع ما يحل بهم من العذاب ؛ فيكون ذلك أشد في العذاب عليهم ، ويكون حالهم كما قال الله ـ تعالى ـ : (أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ) [الزمر : ٢٤] فتغل يداه ؛ كي يتقي النار بوجهه ، ثم يدخلون (١) في السلاسل فيجرون ويسحبون ويساقون على وجوههم على اختلاف أحوال القيامة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ) أي : أدخلوه ، يقال : لحم (٢) مصلي : أي مشوي ؛ فجائز أن يؤمر بأن يشوى في الجحيم.
وقوله : (ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ) فذكر أولا : أنهم يغلون ، ثم يصلون الجحيم ، ثم يسلسلون إذ ذاك ، وحق مثله أن يسلسل ، ثم يمد إلى الجهنم ، ولكنّه يشبه أن يكونوا أولا يحشرون ، ثم يساقون إلى نار جهنم بقوله : (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً) [الزمر : ٧١] وإذا وردوها هموا أن يفروا منها ، فيسلسلون إذ ذاك ، ويسحبون في النار حينئذ ؛ فلا يتهيأ لهم الهرب.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ) ففيه بيان السبب الذي لأجله استوجبوا هذا العقاب ، وهو أنهم كانوا لا يؤمنون بالله العظيم.
ثم قوله : (لا يُؤْمِنُ بِاللهِ) جائز أن يكون لا يؤمن [بوحدانية الله](٣) ، أو لا يؤمن بإرسال الرسل ، أو كان لا يؤمن بالبعث ، وإلا فهم يؤمنون بالله ، ولكن من لم [يكن مؤمنا](٤) بالرسل والبعث فهو غير مؤمن في الحقيقة ؛ لأن الإله الحق هو الذي أرسل الرسل ، ويقدر على البعث ، والكافر لا يثبت له قدرة البعث ، ولا يراه أرسل الرسل ، فصار لا يؤمن بالله العظيم في الحقيقة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) ، إخبار أنه كان لا يؤمن بالبعث ؛ لأن الناس ليسوا يطلبون من [المساكين الجزاء](٥) لما يطعمونهم ، وإنما يطعمونهم لوجه الله
__________________
(١) في ب : يدخل.
(٢) في ب : حمل.
(٣) في ب : بوحدانيته.
(٤) في ب : يؤمن.
(٥) في ب : الناس.