فأخبر تعالى أن المنافقين لكاذبون فيما يشهدون بالإيمان في قلوبهم ، ويعلم أن يكون المعنى من قوله : (نَشْهَدُ) أي : نعلم برسالتك في قلوبنا ، والله يشهد إن المنافقين لكاذبون فيما أخبروا أنهم يعلمون رسالته في قلوبهم ، وقد كان ألزمهم برسالته من جهة الآيات والحجج ، ولكن تعاموا عن ذلك العلم استخفافا منهم وتعنتا ؛ فصار ذلك العلم كالجهل الحقيقي ، ثم أخبروا هم عن أنفسهم وضمائرهم أنهم يعلمون ، وأخبر الله أنهم لكاذبون أنهم يعلمون برسالته ، والله أعلم.
ثم الواجب أن يعلم ما الذي أحوجهم إلى أن قالوا : (نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ) ، وقد كان كثير من المؤمنين يلقون رسول الله ولا يقولون ذلك ، فكيف قال المنافقون ذلك؟! فمعناه عندنا ـ والله أعلم ـ : أنهم حيث اعتادوا مخادعة الله ورسوله امتحنهم الله تعالى بهذه المقالة. ويحتمل أن يكونوا جروا على عادتهم أنهم إذا لقوا المسلمين قالوا : بمثل ما آمنتم ، وإذا لقوا المشركين قالوا : (إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) [البقرة : ١٤] ، فإذا لقوا رسول الله قالوا : (نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ) على عادتهم في كل جنس بما يليق به وبمذهبه ، والله أعلم.
ويجوز أن يكونوا يخافون أن قد بلغ رسول الله صلىاللهعليهوسلم خلافهم وتكذيبهم ؛ فكانوا إذا لقوه قالوا : (نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ) ، اعتذارا عن ذلك الخلاف لو بلغه ؛ ألا ترى إلى قوله : (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ) كانوا يحسبون من سوء ما يضمرون في قلوبهم من النفاق أن كل من كلم رسول الله صلىاللهعليهوسلم فإنما كلمه بسببهم ، فكذلك الأول ، والله أعلم.
ثم قال هاهنا : (نَشْهَدُ) ولم يقل (نشهد بالله) ؛ لأن المعنى من هذا الحلف ، والحلف من المؤمنين في المتعارف إنما يكون بالله تعالى ؛ فلذلك أجزئ بقوله : (نَشْهَدُ) عن قوله : (بالله) فيكون هذا دليلا لقول أصحابنا : إن قوله : (نَشْهَدُ) يكون يمينا حيث ذكر هاهنا بطريق القسم ، والمعنى ما أشير إليه ، والله أعلم.
وقوله : (فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) ، له تأويلان :
أحدهما : (فَصَدُّوا) أي : أعرضوا بأنفسهم عن طاعة الله والإيمان برسوله.
والثاني : أن صدوا الضعفة عن اتباع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وعن الإيمان.
وقوله : (إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ).
أي : بئس ما كانوا يعملون من الإعراض عن الآيات والحجج ، وحيث آثروا الكفر على الإيمان.
ويحتمل : بئس ما كانوا يصنعون من صد الضعفة والأتباع عن الإيمان برسول الله ، صلىاللهعليهوسلم.