وفيه وجه آخر : وهو أن الذي سمعتم منه لو كان سحرا أو شعرا أو كهانة أو تقوله ، لكان لا يمهله الله ـ تعالى ـ بل يؤاخذه على المكان من غير أن حجزوا ، كما قال : (فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ) ، فإمهاله دل على أن الأمر ليس كما قالوا ، بل هو تنزيل من رب العالمين.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ) فأخذ الله ـ تعالى ـ : عذابه وعقوبته ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ) [الأنعام : ٤٢] ، وقوله ـ عزوجل ـ (فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً) [الأعراف : ٩٥].
وقوله : (بِالْيَمِينِ) أي : بالقوة ؛ أي : لا يعجزنا عنه شيء ، ولا يفوتنا عذابه ؛ كقوله ـ عزوجل ـ : (وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ) [الزمر : ٥١] ، و [هو](١) كقوله ـ تعالى ـ : (وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ) [الواقعة : ٦٠] ، أي : لا يعجزنا ما عنده من الشرف والقوة من أن نؤاخذه ، وننزل عليه النقمة.
وجائز أن يكون اليمين صلة القول ، لا على تحقيق اليد ، فذكر اليمين ؛ لأن التأديب في الشاهد والأخذ يقع بها ، وهو كقوله ـ عزوجل ـ : (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ) [الحج : ١٠] ، فأضاف (٢) التقديم إلى اليد ، لا على تحقيق اليد ؛ إذ يجوز ألا يكون ليديه بما قدم صنع ، لكن لما كان التقديم في الشاهد يقع بالأيدي ، فذكرت اليدان على ذلك ، لا على تحقيق الفعل بهما ، فكذلك يجوز أن تكون اليمين ذكرت ؛ لما بها يقع الأخذ والتأديب في الشاهد ، وإن لم يكن هناك يمين ، والله أعلم.
واليمين : القوة ، وسمّيت اليمين : يمينا ؛ لأن قدرة الرجل تكون فيها ، وسمي ملك الرقاب : ملك يمين ؛ لأن ملك اليمين يكتسب بالقهر والغلبة ، وإنما يصل المرء إلى القهر والغلبة بالقوة ؛ فسمي : ملك يمين لهذا ، لا أن يراد بذكر اليمين تحقيق اليمين ؛ إذ اليد لا تملك شيئا (٣) حتى يضاف إليها ، فكذلك فيما أضيف من اليمين إلى الله ـ تعالى ـ فالمراد منه القوة.
وقوله ـ عزوجل ـ (ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ) قيل (٤) : الوتين : عرق في القلب.
وقيل (٥) : حبل في القلب.
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في ب : وأضاف.
(٣) في ب : سببا.
(٤) قاله ابن عباس أخرجه ابن جرير (٣٤٨٣٨ ، ٣٤٨٣٩) ، وابن المنذر عنه ، كما في الدر المنثور (٦ / ٤١٣).
(٥) قاله ابن عباس أخرجه ابن جرير (٣٤٨٣٩) والفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه عنه ، كما في الدر المنثور (٦ / ٤١٣) وهو قول مجاهد وقتادة أيضا.