وقيل (١) : هو العرق الذي إذا قطع مات صاحبه ، وهو عرق متصل بالظهر ، فكأنه قال : نعذبه عذابا لا بقاء له مع ذلك العذاب ، وهذا من أعظم آيات الرسالة في أنهم متى زلوا أخذوا على المكان ، ويكون فيه أمان الخلق (٢) عن إحداث التغيير والتبديل من الرسل ؛ لأنهم لو غيّروا لعذبوا.
ثم قوله ـ عزوجل ـ : (مِنْهُ بِالْيَمِينِ) فجائز أن يكون قوله : (مِنْهُ) زيادة في الكلام ، وحقه الإسقاط ، ويكون معناه : لأخذناه باليمين.
وجائز أن يكون معناه : لأخذنا من تقوله وسحره وكهانته باليمين ، فإن كان على هذا فحقه الإثبات ، وليس بصلة زائدة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ) ، ففي هذا يأس منه لأولئك الكفرة ؛ لأنهم كانوا يطمعون (٣) من رسول الله صلىاللهعليهوسلم اتباعهم وموافقتهم على ملتهم ؛ فأخبر أنه لو أجابهم لقطع منه وتينه ، وأخذه أخذا لا يملكون منع ذلك عنه ، ولا دفعه ، ولم يكن أحد ينصره عند ذلك أو يحجزه عنا ، وهو كقوله ـ تعالى ـ (وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ..). إلى قوله : (إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً) [الإسراء : ٧٣ ـ ٧٥].
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) ، فالمتقون : الموحّدون ، فسمّاهم مرة : متقين ، ومرة : صابرين شاكرين ؛ كقوله ـ عزوجل ـ (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) [إبراهيم : ٥] وهو تذكرة ؛ لأنه يذكرهم الوعد والوعيد ، وما يتقى وما يؤتى ، وغير ذلك (٤) ، فهو تذكرة ، يعني : القرآن.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ) أي : بآياتي ورسلي ، ثم نمهلكم ، فهو صلة قوله : (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ) فبيّن أنه مع كذبهم بآياته ورسله يمهلهم ، ولا يعجل عليهم بالعقوبة ، ولو وجد التقول (٥) من الرسول ، لكان يستأصله ، ويقطع وتينه ، فهو على ما ذكرنا : أن عذابه على خواص عباده أسرع وقوعا إذا خالفوا منه بأعدائه.
وجائز أن يكون قوله : (وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ) هم المنافقون ؛ لأنهم كانوا يظهرون الموافقة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم بألسنتهم ، ويخالفونه ويكذبونه بقلوبهم ؛ فيكون هذا التأويل
__________________
(١) قاله الضحاك بنحوه ، أخرجه ابن جرير عنه (٣٤٨٤٢).
(٢) في ب : الخالق.
(٣) في أ : يعلمون.
(٤) زاد في ب : فهو تذكرة ؛ لأنه يذكرهم الوعد والوعيد.
(٥) في أ : المنقول.