الله ـ تعالى ـ من النبي صلىاللهعليهوسلم ؛ لأنه لا يستقيم في العقل أن يصل الولي إلى عدوه ، ويحسن إليه ويدع صلة وليه ويجفوه ، فهذا (١) الظن الذي ذكرنا هو الذي حملهم على تكذيب رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيما يخبرهم من حلول العذاب بالتكذيب ، وعلى الاستهزاء به ، فكان سؤال السائل على جهة الاستبعاد والإنكار للعذاب ، لا أن كانوا مقرين به ثمّ استعجلوه.
وذكر أن أبا جهل قال يوم بدر : اللهم انصر أبرنا قسما ، وأوصلنا رحما ، وأقرانا للضيف ؛ فكان يدعو بهذا لما عنده : أنه أشرف حالا وأعلى منزلة عند الله ـ تعالى ـ من محمد صلىاللهعليهوسلم وأتباعه ، ومن كان هذا شأنه ، فهو أولى أن ينصر ؛ قال الله ـ تعالى ـ : (وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ)(٢) [الانفال : ٣٢] ، ولو لم يكن عندهم أنهم أقرب منزلة وأحق أن يكونوا أولياء ، وإلا لم يكونوا يجترئون أن يسألوا بهذا ، فهذه الشبهة التي ذكرناها هي التي أورثت لهم ما ذكرناها من الظن ، حتى زعموا أنهم أحق بالرسالة ، وظنهم هذا يتولد من ظن إبليس ، وذلك أن إبليس قال : (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) [ص : ٧٦] ؛ فظن أن أمر الفاضل للمفضول بالسجود في الخضوع له خارج عن حد الحكمة ؛ فصار إلى ما صار إليه من الخزي واللعن ، فكذلك هؤلاء لما رأوا من نفاذ كلمتهم وسعتهم في الدنيا ظنوا أنهم أقرب إلى الله ـ تعالى ـ إذ التوسع عندهم دلالة الولاية والقرب.
ثم سفههم هو الذي حملهم على التكبّر على رسول الله صلىاللهعليهوسلم وترك الخضوع ، وإلا لو أعطوا النصفة من أنفسهم ، لكان يجب أن يكونوا هم أطوع خلق الله ـ تعالى ـ لأن الواجب على من كثرت عليه النعم من آخر أن يكون هو أشكر للنعم ، وأطوع له فيما يدعوه إليه من الذي قلّت نعمه عليه ، فإذا كانوا مقرين أن نعم الله عليهم أكثر ، وإحسانه إليهم أوفر ، أوجب ما ذكروا أن يكونوا هم ألزم لطاعته ، وآخذ لما يأمرهم (٣) به ، وكذلك إبليس اللعين إذا رأى لنفسه فضلا ، وإنما استوجب ذلك بما أنعم الله ـ عزوجل ـ عليه ، كان الحق عليه أن يتسارع إلى طاعته وينقاد لما أمر به ، لا أن يظهر الخلاف من نفسه وترك الائتمار بأمره.
وقوله ـ عزوجل ـ : (بِعَذابٍ واقِعٍ) أي : هو واقع بهم (٤) لا محالة في علم الله تعالى.
__________________
(١) في ب : وهذا.
(٢) تقدم.
(٣) في أ : يأمر.
(٤) في ب : لهم.