قائمة الکتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

تأويلات أهل السنّة تفسير الماتريدي [ ج ١٠ ]

تأويلات أهل السنّة تفسير الماتريدي [ ج ١٠ ]

219/695
*

حجج مذهب الحق قبل أن يبين له فساد ما هو فيه ؛ فإن ذلك لا ينجع فيه ، ولا يدعوه إلى قبول الحق والتزامه ، بل يبين له قبح ما هو فيه وفساد ما اعتقده ، فإذا بان له ذلك يحتاج إلى أن يسأله عن سبيل الهدى فيه ؛ ليعرفه بالتعلم.

ثم الأصل أن الدنيا هي سبيل الآخرة ، والضلال سبيل يفضي بمن سلكه إلى العذاب الدائم ، والهدى سبيل يفضي إلى الثواب الدائم ، فالنذارة هي تبيين ما ينتهي إليه عاقبة من يلزم الضلال ، والبشارة هي تبيين ما ينتهي إليه عاقبة من يلزم الهدى.

وإن شئت قلت : إن النذارة هي أن يبين عسر ما يحل به في العاقبة ، والبشارة هي أن يثبته بما يصير إليه في العاقبة من اليسر.

ثم في قوله ـ عزوجل ـ : (أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) دلالة أن حجة الإسلام تلزم (١) الخلق قبل أن يأتيهم النذير ؛ لأنه لو كانت لا تلزمهم ، لكانوا في أمن من نزول العذاب قبل أن يأتيهم النذير ؛ فلا يخوفون (٢) بنزل العذاب بهم قبل أن ينذروا ، فلما خوفوا بنزول العذاب بهم قبل أن يأتيهم النذير دل أن الحجة لازمة عليهم ، وأن لله تعالى أن يعذبهم لتركهم التوحيد وإن لم يرسل إليهم الرسل ، فيكون تأويل قوله ـ عزوجل ـ : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) [الإسراء : ١٥] على عذاب الاستئصال في الدنيا ليس على عذاب الآخرة ، والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (قالَ يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ) :

أي : مبين بما يقع به الإنذار والتخويف ؛ فيكون الإبانة منصرفة إلى النذارة.

ويحتمل أن يكون هذا الوصف راجعا إلى نفسه خاصة ؛ كأنه قال : نذير لكم مبين ، أي : إني لم أقم في دعائي إياكم إلى عبادة الله تعالى وإنذاركم من عند نفسي ، ولكن بما اختصني الله تعالى وولاني ذلك.

ثم الأصل في الإنذار [أن يقتضي] نهيا وفي النهي [أن يقتضي] أمرا ، لكن الإنذار يقتضي نهيا وكيدا ، والنهي الوكيد يقتضي الأمر بالخلاف أمرا وكيدا.

وأما البشارة فهي تقتضي الأمر الوكيد وغير الوكيد ؛ لأنه يستوجب البشارة بكل خير يفعله ، وإن كان للمرء ترك ذلك الخير بخير آخر يأتى به ، فلا يفهم بنفس البشارة الأمر الوكيد ؛ ويفهم بتصريح النذارة كلا الوجهين اللذين ذكرناهما.

وإذا كان كذلك ، فمطلق البشارة لا يدل على تحقيق النذارة ، وأما النذارة فهي تدل على

__________________

(١) في أ : دلالة أن حجته لأن يلزم.

(٢) في أ : يخافونهم.