البشارة ؛ لأن النذارة على ما هو فيه في الفعل تلزم النهي ، وإذا انتهى عنه فقد حصل العفو ، وفي حصول العفو ارتفاع ما خوف وذهابه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ) فكأنه قال : أنذرهم على عبادة غير الله ، ومرهم بعبادة من يستحق العبادة ، وهو الله تعالى ؛ إذ الأمر بالإنذار يقتضى النهى عما هم عليه ويدعو إلى خلافه ، وبين لهم الخلاف الذي دعوا إليه ؛ لقوله ـ عزوجل ـ : (اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ).
وقيل : (اعْبُدُوا اللهَ) ، أي : وحدوه.
وقال [بعضهم] : كل عبادة جرى بها الأمر في القرآن على الإرسال فهي منصرفة إلى التوحيد.
فكأن الذي حملهم على هذا التأويل هو أن الآيات التي فيها أمر بالعبادة نزلت في أهل الكفر ؛ لأنه خاطب بقوله ـ عزوجل ـ : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ) [البقرة : ٢١] ، ولم يخاطب بقوله ـ عزوجل ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ) ، وإذا ثبت أنها في أهل الكفر ، والكافر أول ما يؤمر يؤمر بالتوحيد ليس يخاطب بعبادة أخرى سواه ؛ لأنه ما لم يأت بالتوحيد لم يقبل منه شيء من العبادات ، فجعلوا تأويل العبادة التوحيد لهذا ؛ لا أن يكون العبادة عبارة عن التوحيد خاصة ، بل العبادة يراد بها التوحيد مرة إذا ذكرت عقيب الكفر ، وإذا ذكرت (١) في أهل الإيمان فالعبادة منهم أن يفوا بمعاملة ما اعتقدوه بالقول ؛ وأن ينجزوا (٢) ما وعدوا من أنفسهم ، وهذا كما ذكرنا في إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة : أنهما إذا ذكرتا في أهل الكفر ، انصرف المراد من ذلك إلى الاعتقاد لا إلى الفعل ؛ لأنهم ليسوا من أهل الفعل ، وإذا ذكرتا في أهل الإسلام أريد بالإقامة والإيتاء إيجاد الفعل ، فكذلك الحكم في العبادة بقوله : (اعْبُدُوا اللهَ) أي : وحدوه واتقوه ، أي : اتقوا الإشراك في عبادته ، وأطيعوني فيما آمركم به من توحيد الله تعالى وألا تشركوا به شيئا.
وجائز أن يكون قوله : (وَاتَّقُوهُ) ، أي : اتقوا المهالك كلها ، واتقوا النار ؛ كما قال الله ـ عزوجل ـ : (وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) [آل عمران : ١٣١] ، وقوله تعالى : (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً) [التحريم : ٦] فالتقوى إذا ذكر على الانفراد مرسلا ، اقتضى الانتهاء عما فيه الهلاك ، واقتضى الأمر بالعبادة والطاعة ، وإذا جمع بين العبادة والتقوى ،
__________________
(١) في أ : ذكر.
(٢) في أ : يتخذوا.