وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ).
يعني : وإن يقولوا تحسب قولهم حقّا ؛ فتسمع لقولهم لتقبله.
ويحتمل (١) : تسمع لقولهم لما يعجبك قولهم ، أو تسمع لقولهم على ما كانت عادته ـ عليهالسلام ـ في كل من كلمه أنه لا يغير عليه ولا يقطع عليه كلامه حتى يفرغ منه ، ثم قبله إن كان مما يجب قبوله ، وغيره على صاحبه ورده إن كان مستحقّا للتغيير عليه ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ).
يقول : إنهم فيما يكون من جانبهم وناحيتهم من حسن الصورة والبيان بحيث يعجبك ، وفيما يلقى إليهم من الحق والدين والحكمة كأنهم خشب مسندة لا ينجع فيهم الحق ولا يقبلونه كالخشب المسندة.
ويحتمل هذا تمثيلا بالخشب ؛ من حيث إن الخشب المسندة في الظاهر هي الخشب اليابسة التي لا أجواف لها فيوضع فيها شيء ، فكذلك المنافقون كأنهم لا أجواف لهم يوضع فيها الحكمة والدين والحق ، والله أعلم.
وجائز أن يكون معناه : كأنهم خشب مسندة ؛ من حيث إن الخشب المسندة ، ليس لها أسماع ولا أبصار ولا قلوب ، فكذلك المنافقون كأنهم بكم عمي في ناحية الحق وقبوله ، والله المستعان.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ) ، يحتمل وجهين :
أحدهما : يحسبون كل صيحة سمعوها كلمة تهتك عليهم سرهم [و] تفضحهم ؛ ألا ترى إلى قوله : (يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ) [التوبة : ٦٤] ، فأخبر أنهم كانوا يحسبون فضيحتهم وهتك أستارهم والاطلاع على ما في قلوبهم ، فكذلك يحسبون أن من كلم رسول الله صلىاللهعليهوسلم فإنما تكلم بما يهتك عليهم أستارهم ويفضحهم ، والله المستعان.
والثاني : يحتمل أن يكون ذلك في الحرب : أنهم كلما سمعوا صيحة في الحرب خافوا أن يكون فيه هلاكهم ، وذلك أنهم كانوا يظهرون الموافقة لكل فريق على حدة ، وإذا وافقوا هذا الفريق صاروا حربا للفريق الآخر ، وإذا وافقوا الآخر صاروا حربا لهؤلاء ، فأخبر الله تعالى أنهم يحسبون من كل صيحة سمعوها أن يكون ذلك سببا لهلاكهم.
ويحتمل أن يكون الله تعالى عاقبهم بالخوف الدائم ؛ لتأميلهم الأمن من وجه لم يؤذنوا فيه ؛ وذلك لما وصفنا أنهم كانوا يظهرون الموافقة لكلّ ؛ رجاء أمنهم ، وكان جميع مقاصدهم في ذلك تحصيل منافع الدنيا دون الديانة بدين من الأديان ، وذلك غير مأذون
__________________
(١) زاد في أ : أو.