تخصيصه أجري على خصوصه ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ).
يحتمل أن يكون معناه ، أي : لا يفقهون ؛ لأنه طبع على قلوبهم ، وإلا لم يعرضوا عن الحق والآيات ، وذلك بأنهم كانوا يظنون أنهم كانوا على الحق ، فأخبر أنهم لا يفقهون أنه طبع على قلوبهم حتى ظنوا أنهم على الحق ، وجعلوا جميع همتهم في المنافع والمضار الدنيوية ، وإلا لو فقهوا أن لله دارا أخرى يجازون فيه بأعمالهم ، لعلموا أنه لا بد من دين يدينون به ، ولم ينظروا إلى منافعهم ومضارهم ، والله المستعان.
ويحتمل : أي : لا يفقهون عن الله تعالى ، وأن تعبدهم وأمرهم بطاعة رسوله واتباعه ويحتمل أي : لا يفقهون أنهم يتعبدون ، وأن لله دارا أخرى يسألهم عما فعلوا ، ويجازيهم على جميع ذلك.
ثم قال هاهنا : (لا يَفْقَهُونَ) ، ولم يقل : (لا يعلمون) ؛ لأن الفقه إنما هو الذي يعرف به الشيء بالشيء ، فأخبر أنهم لا يعرفون الآخرة بالدنيا. وقال ابن الراوندي : الفقه هو معرفة الشيء بمعناه الدال على نظيره.
وعندنا أن الفقه هو معرفة الشيء بمعناه الدال على غيره كان ذلك نظيرا له أو لم يكن ؛ لأن من عرف الخلق بمعناهم دله ذلك على معرفة الصانع ، ومن عرف الدنيا دله ذلك على معرفة الآخرة ، وليسا بنظيرين.
ثم بين الفقه والعلم فصل من وجه وإن كانا جميعا في الحقيقة يرجعان إلى معنى واحد ؛ لأن العلم إنما يجلي الشيء له ، وظهوره بنفسه ، والفقه يعرف بغيره استدلالا ؛ ولذلك جاز أن يقال : الله تعالى عالم ؛ لتجلي الأشياء له ، ولم يجز أن يقال : إن الله فقيه ؛ لأنه لا يعرف الأشياء بالاستدلال ، والله الموفق.
والحكمة : وضع الأشياء موضعها ، والإيقان : إنما هو يتولد عن ظهور الأسباب ؛ ولذلك جاز أن يقال : إن الله تعالى حكيم ، ولم يجز أن يقال : إنه موقن ، والله المستعان.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ).
في هذا بيان أن الله تعالى قد كان آتاهم حسن الصورة وحسن البيان ، وأنه قد آتاهم العلم ؛ لأن حسن البيان لا يكاد يكون إلا عن علم ؛ فكأن الله تعالى ذكر نعمه التي آتاهم ؛ فإنهم لم يشكروا نعمه وأساءوا صحبتها ، فكأنه يقول : كيف ترجو منهم حسن الصحبة لك ، وإنهم لم يحسنوا صحبة نعمة رب العالمين؟! فيكون [له] بعض التسلي ؛ لما اهتم رسول الله صلىاللهعليهوسلم من سوء صنيعهم به ، وإعراضهم عن اتباعه وطاعته.