وهو كقوله تعالى : (وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ) [التوبة : ١٢٥] ، والقرآن لم يجعل سببا لزيادة الرجس ، ولكنهم لما أحدثوا بغضا عند ما تلى عليهم القرآن ، فحدث لهم بذلك معنى حملهم على ذلك الوجه ، فأضيفت تلك الزيادة إلى القرآن ؛ إذ عند ذلك حدث ذلك السبب الزائد في الرجس ، فنسب إليه على معنى المجاورة ، وقال الله تعالى : (فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي) [المؤمنون : ١١٠] وهم لم يكونوا منسيين ، بل كانوا مذكرين يذكرونهم مرة بعد مرة ، لكن بغضهم إياهم واتخاذهم سخريا أوقع لهم النسيان ، فنسب إليهم الإنساء ، فعلى ذلك لما أبغضوه واستثقلوا كلامه ودعاءه ، أحدث لهم ذلك البغض زيادة نفار وجحود ، ثم نسب النفار إلى الدعاء [على] الوجه الذي ذكرنا لا أن يكون الدعاء في الحقيقة منفر.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ) ، وقال في موضع آخر : (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ ..). إلى قوله : (فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ) [إبراهيم : ٩] ، فيجوز أن تكون هذه الآية فيما يدعون رؤساءهم وأشرافهم والأجلة منهم ، فإذا دعاهم ردوا أيديهم في [أفواه الأنبياء](١) عليهمالسلام ، وضربوهم (٢) على ما ذكر في الأخبار ، وأما الأتباع منهم ، والمقلدون لهم ، كانوا يجعلون أصابعهم في آذانهم ويغطون وجوههم ورءوسهم ؛ كيلا يسمعوا كلامه فيقع شيء منه في قلوبهم ؛ لما حذرهم رؤساؤهم عن ذلك.
أو يكون هذا في طائفة منهم ، وهذا في طائفة إذا كان أيس من قوم ، وأقبل على آخرين ، فاختلفت معاملتهم معه على ما كان من أمر نبينا [محمد صلىاللهعليهوسلم](٣).
ثم هذا يحتمل وجهين :
أحدهما : على التحقيق على ما ذكرنا (٤) ؛ ليؤيسه من الإجابة.
والثاني : جائز أن يكون على التمثيل ، فضرب مثلهم في تركهم الإجابة مثل من جعل إصبعه في أذنه واستغشى ثيابه ؛ لئلا يسمع ولا يجيب ؛ وهو كقوله ـ عزوجل ـ : (فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ) [آل عمران : ١٨٧] ، ولم يوجد منهم نبذ ، ولكنهم أعرضوا عنه إعراض من ينبذه وراء ظهره ، وكذلك في قوله ـ عزوجل ـ : (فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ) على التمثيل ، وهو أنهم تركوا الإجابة إلى ما دعوا إليه كترك الإجابة من الذي يرد يده في
__________________
(١) في ب : أفواههم ، وهم الأنبياء.
(٢) في ب : وضربوه.
(٣) في ب : عليهالسلام.
(٤) في ب : ذكرت.