يعيدهم إلى الحالة التي كانوا عليها من كونهم بشرا سويا ، وإن صاروا عظاما ورفاتا ؛ لأنهم كانوا يزعمون أن كيف يعادوا خلقا جديدا بعد أن صاروا ترابا ، فاحتج عليهم بأمر الابتداء من الوجه الذي ذكرنا.
وإن كان على التأويل الثاني ، ففيه تذكير نعمه : أن قد أخرج لهم من الأرض ما يتعيشون به ، ويقيمون به أودهم ، أو يستأدي منهم الشكر ، وفيه تذكير قوته وسلطانه ؛ ليخوفهم عقابه فيتعظوا ويتقوا سخطه ، ويطلبوا مرضاته.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها وَيُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً) ، فجمع بين الإعادة والإخراج بحرف الجمع ، وجعل [قوله عزوجل](١)(وَيُخْرِجُكُمْ) في موضع «ثم» ؛ لأن هذا الإخراج يكون بعد الإعادة إلى الأرض ، فيكون في هذا دليل أن أحد الحرفين وهو «الواو» قد يستعمل مكان «ثم».
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً)
أي : جعلها كالشيء المبسوط الذي ينتفع ببسطه ، ولو لم يجعلها كذلك ، لم يتوصلوا إلى حوائجهم ، ولا الانتفاع بها ، ففي ذكر هذا تذكير بما (٢) لله تعالى عليهم من عظيم المنة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلاً فِجاجاً) :
قيل (٣) : الفجاج : هي الطرق الواسعة.
وقيل : السبل في السهل ، والفجاج : الطرق في الجبال ، وهذا ـ أيضا ـ من عظيم نعم الله تعالى على عباده ؛ لأن الله تعالى قدر أرزاق الخلق في البلاد ، فلو لم يجعل لهم في الأرض سبلا ، لم يجدوا طريقا يسلكونه ، فيتوصلون به إلى ما به قوام أبدانهم ؛ فصارت الطرق المتخذة لما (٤) نسلك فيها ، فنصل إلى حوائجنا وإلى معايشنا : كالدواب التي سخرت لنا ؛ فنتوصل بها إلى حوائجنا ، وهذا يبين لك أن ملك أقطار الأرض وتدبيرها يرجع إلى الواحد القهار ؛ لأنه أحوج الخلق إلى الانتشار في (٥) البلاد ؛ لإقامة أودهم ، وجعل لهم سببا يتوصلون به إلى ذلك ؛ فثبت أن مالك الأقطار واحد.
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في ب : ما.
(٣) قاله ابن عباس بنحوه أخرجه ابن جرير (٣٥٠٢٤) ، وابن المنذر عنه ، كما في الدر المنثور (٦ / ٤٢٦) وهو قول قتادة أيضا.
(٤) في ب : بما.
(٥) زاد في أ : الأنساب إلى.