الخطاب يرتفع عنها بلفظ التأنيث لا بلفظ التذكير ، فحيث أضيف إليها فعل أهلها أنث كما يوجب لو كان الفعل متحققا منها.
ثم الأصنام لا يتحقق منها الإضلال ، ولكن معنى الإضافة هاهنا هو أنها أنشئت على هيئة لو كانت تلك الهيئة ممن يضل لأضل ، وهو كما قلنا في تأويل قوله ـ عزوجل ـ : (وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) [الأنعام : ٧٠].
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالاً) :
فهذا يشبه أن يكون بعد ما بين له (أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ) [هود : ٣٦] ، فإذ علم أنهم لا يؤمنون لم يدع لهم بالهدى ، ولكن دعا الله تعالى ليزيد في إضلالهم ، ويكون الإضلال عبارة عن الهلاك ، والضلال : الهلاك ، قال الله تعالى : (وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ) [السجدة : ١٠] أي : هلكنا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً) ، فحرف «ما» هاهنا صلة في الكلام ، ومعناه : بخطيئاتهم ، أو من خطيئاتهم أغرقوا ، فأدخلوا نارا في الآخرة ؛ إذ أغرقت أبدانهم وأجسادهم وردت أرواحهم إلى النار.
(فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْصاراً) ، أي : لم يجدوا لأنفسهم بعبادتهم من عبدوا من دون الله تعالى أنصارا من المعبودين ؛ لأنهم كانوا يعبدون من يعبدون من دون الله ليقربهم إلى الله ، ويكونوا لهم شفعاء وعزّا ، فلم يجدوا الأمر على ما قدروه عند أنفسهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً).
قيل : تأويله : لا تذر على الأرض من الكافرين ساكن دار ، وإذا لم يبق منهم ساكن دار فقد بادوا (١) جميعا وهلكوا ، فكأنه يقول : لا تذر منهم أحدا.
وقوله عزوجل : (إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ).
هذا كلام شنيع في الظاهر من نوح عليهالسلام ؛ لأنه خارج مخرج الإنكار على الله تعالى لو تركهم ولم يهلكهم ، وهذا يشبه بقول من قال : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) [البقرة : ٣٠] ، وهذا ـ أيضا ـ خارج مخرج التذكير (٢) لله تعالى : أنه لو أبقاهم أدى ذلك إلى إضلال العباد ، وفيه تقدم بين يدي الله تعالى وذلك عظيم ؛ لأنه ليس في شرط الألوهية إهلاك من عمله الإضلال ؛ ألا ترى أن إبليس اللعين وأتباعه جل سعيهم في
__________________
(١) في أ : ماتوا.
(٢) في أ : التكبر.