إضلال بني آدم ، ثم لم يستأصلوا ولم يهلكوا ، بل أبقوا إلى الوقت المعلوم.
ولكن يجوز أن يكون دعا عليهم ، بعد أن (١) أذن له بالدعاء عليهم بالهلاك والبوار ؛ فيكون الدعاء بالهلاك على تقدم الإذن.
والأصل : أن الرسل ـ عليهمالسلام ـ بعثوا لدعاء الخلق إلى الإسلام ، [وكانوا في دعائهم](٢) راجين الإسلام منهم ، خائفين عليهم بدوامهم على الكفر ، فلما قيل لنوح (٣) ـ عليهالسلام ـ : (أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ) [هود : ٣٦] ـ وقع له الإياس عن إسلام من تخلف عن الإيمان ، فارتفع معنى الدعاء إلى الإسلام ، فجائز أن يرد له الإذن بعد ذلك بالدعاء عليهم بالهلاك ، فيدعو إذ ذاك.
ثم يكون قوله : (إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ) خارجا مخرج الإشفاق والرحمة على من معه من المؤمنين ، وهو أن الذين داموا على الكفر لو أبقوا ، خيف منهم أن يضلوا المؤمنين ويغيروهم إلى ملتهم ؛ فتكون شفقته على المسلمين داعية له على الدعاء بالهلاك على الكفرة ؛ لئلا يتوصلوا إلى الإضلال.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً) وقت بلوغهم المحنة والابتلاء ، فحينئذ يوجد منهم الفجور ، لا أن يلدوا فجارا كفارا ؛ إذ لا صنع لهم في ذلك الوقت ، وهو كقوله : (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ) [الإنسان : ٢] أي : نبتليه لوقت بلوغه المحنة والابتلاء ، لا أن يبتلى وقت ما يشاء.
وفي هذه الآية دلالة (٤) أن الكفر قد يقع عليه اسم الفجور ؛ لأنه [لو خرج](٥) قوله : (كَفَّاراً) مخرج التفسير لقوله : (فاجِراً)(٦) استقام أن يحمل تأويل قوله تعالى : (وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) [الانفطار : ١٤] على الكفرة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً) هكذا الواجب على المرء في الدعاء والاستغفار أن يبدأ بنفسه ، ثم بوالديه ، ثم بالمؤمنين.
ثم قوله : (بَيْتِيَ) قال بعضهم : أي : في سفينتي.
وقال بعضهم : (في بيتي) أي : في ديني ؛ فيكون البيت كناية عن الدين.
__________________
(١) زاد في ب : يكون.
(٢) في ب : فكانوا بدعائهم.
(٣) في أ : فيما قبل نوح.
(٤) في ب : دليل.
(٥) في ب : أخرج.
(٦) زاد في ب : لذلك.