قد حضره نفر من الجن.
وروي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه سأل جبريل ـ عليهالسلام ـ أن يراه على صورته ، فقال [له] جبريل : «إنك لا تطيقه ؛ لأن الأرض لا تسعني ، ولكن انظر إلى أفق السماء» (١) ، ولو كان يأخذ الوحي بالجسد الروحاني ، لكان قد رأى جبريل ـ عليهالسلام ـ على صورته فيبطل فائدة هذا السؤال ؛ فثبت أن الأمر ليس كما زعموا ، بل كان يقبله بالصورة الجسدانية ، وأنه كما وصفه الله تعالى بقوله : (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ ..). [الكهف : ١١٠].
وقال القتبي : النفر : ما بين الثلاثة إلى التسعة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَزادُوهُمْ رَهَقاً).
قال بعضهم : العجب : الغريب ، وإنما استغربوا ذلك منه ؛ لأنهم سمعوه من أميّ لا يعرف الكتابة ولا يقرأ الكتب.
ومنهم من قال بأن حسن تأليفه ونظمه ووصفه هو الذي حملهم على التعجب.
ومنهم من قال : إنما تعجبوا من آياته وحججه ؛ لأنه جاء في تثبيت التوحيد ، وإثبات الرسالة ، وإثبات البعث ، ولم يكن لهم معرفة بالوحدانية ؛ بل كانوا أهل شرك ، ولم يكونوا أهل معرفة بالبعث ولا الرسالة ؛ فكانت الآيات عجيبة ؛ حيث قررت عندهم هذه الأوجه ، والله أعلم.
ثم في هذه السورة وفي قوله تعالى : (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ) [الأحقاف : ٢٩] إخبار أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لم يكن يشعر بمجيئهم. وروي في الخبر عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه لما تلى على أصحابه سورة الرحمن ، قال لأصحابه : «إن الجن كانوا أحسن إجابة منكم ، إني تلوت عليهم هذه السورة ، فكانوا يقولون : ما بشيء من آلائك نكذب ربنا ، فلك الحمد» (٢). ففي هذا الخبر دلالة أنه قد رآهم وشعر بمجيئهم ؛ فيكون فيه إثبات الوجهين جميعا : أن قد شعر مرة ، ولم يشعر أخرى.
ثم يجوز أن يكون رآهم بما قوى الله ـ عزوجل ـ بصره حتى احتمل إدراك الجن ، وضعفت أبصار غيره عن رؤيتهم ؛ ألا ترى أن أهل الجنة يرون الملائكة عند ما تأتيهم بالتحف من ربهم ، فيقوي الله ـ عزوجل ـ بصرهم حتى رأوا الملائكة بجوهرهم ، وإن ضعفت أبصارهم عن الرؤية في الدنيا ، ففي ذلك تجويز أن يكون الله ـ تعالى ـ قوى بصر
__________________
(١) تقدم.
(٢) تقدم.