إليهم ؛ فيضلون بها الخلق ، فلو لم يمنعوا عن السماء لكانوا لا ينقطعون ، ومن ادعى الكهانة اليوم فلا تجد عنده خبرا حادثا سوى ما تلقفوه من ألسن الرسل عليهمالسلام ، وكان أمر الشهاب أمرا ظاهرا ، عرفته الكفرة فيما بينهم ؛ فكانت (١) هذه حجة سماوية لرسول الله صلىاللهعليهوسلم مقررة عند الكفرة رسالته ؛ إذ لم يدع أحد منهم بكون الشهاب قبل أن يبعث النبي صلىاللهعليهوسلم ، فصار انقطاع الكهنة دليلا على صدقه في مقالته ، والله المستعان.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ).
أي : إلى الحق ، على ما ذكرنا بيانه في سورة الأحقاف في قوله ـ عزوجل ـ : (يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ) [الأحقاف : ٣٠].
وقوله ـ عزوجل ـ : (لَنْ يَبْعَثَ اللهُ أَحَداً).
قال أبو بكر الأصم : إنهم كانوا من مشركي العرب ، فتبرءوا من الشرك لما (٢) استمعوا وسمعوا [من](٣) القرآن بقولهم : (وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً) ، وقد يحتمل هذا الذي قالوا.
ويحتمل أنه لم يسبق منهم الإشراك ؛ بل كانوا من جملة الموحدين ، ولكنهم أحدثوا إيمانا بما سمعوا من القرآن ، وأحدثوا تبرؤا من الشرك ، وقد يتبرأ المرء من الشرك عند ما يحدث له زيادة إيقان وإن لم يسبق منه الإشراك ؛ كما قال موسى ـ عليهالسلام ـ : (قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) [الأعراف : ١٤٣].
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا).
اختلف في تأويل الجد :
فمنهم من يقول بأن هذه الكلمة يتكلم بها فيمن يظفر بكل ما يريده ، فيوصف بأنه ذو جد ، [فجائز](٤) أن يكونوا أرادوا بهذا أن ربنا هو الظافر بكل ما يريده ، فلا يستقبله خلاف ، ولا تمسه حاجة ، وعلى هذا التأويل قوله : «ولا ينفع ذا الجد منك الجد» أي : من كان له الجد في الدنيا ، فإذا كان في تقدير الله تعالى على خلاف ذلك ، لم يغنه (٥) ذلك من عذاب الله شيئا.
فإن كان هذا هو المراد ، فمعناه : أن من هذا وصفه يتعالى عن أن يكون له شريك ، أو
__________________
(١) في ب : وكانت.
(٢) في أ : بما.
(٣) سقط في ب.
(٤) سقط في ب.
(٥) في أ : ينفعه.