يحتاج إلى صاحبة ، أو إلى اتخاذ ولد ؛ لأن هذه الأشياء كلها أمارات الحاجة ، ومن ظفر بكل ما يريده لم تقع [له] حاجة.
وجائز أن يكون الجد صلة ، ومعناه : تعالى ربنا.
وجائز أن يكون الجد عبارة عن العظمة والرفعة ؛ يقال : «فلان جد في قومه» : إذا عظم وشرف فيهم.
وقال الحسن : (تَعالى جَدُّ رَبِّنا) ، أي : غنى ربنا (١) ؛ ألا ترى كيف ذكر الله تعالى عند ما نزه نفسه عن اتخاذ الأولاد بقوله : (قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً سُبْحانَهُ هُوَ الْغَنِيُ) [يونس : ٦٨] ، وقد ذكر اتخاذ الولد هاهنا على أثر قوله ـ عزوجل ـ : (جَدُّ رَبِّنا).
ومنهم من يقول تأويله : ملك ربنا.
وجائز أن يكون أريد به : قوة ربنا ، فتعالى ربنا عن كل ما لو نسب إليه كان فيه [نسبته] إلى فعل الرذالة والتسفل.
ثم الحق ألا يتكلف تفسير قوله : (جَدُّ رَبِّنا) هاهنا ؛ لأنه حكاية عن مقالة الجن ، فمراد هذه الكلمة إنما يعرف بإخبار الجن.
ثم الشرك فيما جرى به الكتاب على أوجه أربعة :
مرة على العبادة بقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) [الكهف : ١١٠].
وشرك في الخلق بقوله ـ عزوجل ـ : (أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ) [الرعد : ١٦].
وشرك في الحكم بقوله تعالى : (وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً) [الكهف : ٢٦].
وشرك في الملك بقوله : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ) [الإسراء : ١١١] فثبت أن الشرك يقع مرة في العبادة ، ومرة في الخلق ، ومرة في الملك ، ومرة في الحكم ؛ فهو بقولهم : (وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً) تبرءوا عن الشرك من هذه الأوجه الأربعة.
ثم إذا كان الجد عبارة عن الذي يظفر بكل ما يريده (٢) ، ففيه ما ينقض على المعتزلة قولهم ؛ لأنهم يزعمون أن الله تعالى أراد من كل كافر الإيمان ، فإذا لم يؤمنوا ، فهو غير ظافر بما يريد على قولهم.
ويدخل عليهم النقض من وجه آخر ، وهو أنا قد بينا أن الشرك قد يقع مرة في الخلق ، وهم ينفون خلق الأفعال عن الله تعالى ، وإذا نفوا ذلك ، فقد جعلوا له في الخلق شركاء ، وقد أخبر ـ عزوجل ـ أنه هو المتفرد بخلق الخلائق ؛ فثبت أن الأفعال من حيث الخلق
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٣٥٠٥٧ ، ٣٥٠٥٩) ، وعبد بن حميد ، كما في الدر المنثور (٦ / ٤٣٠).
(٢) في ب : يريد.