(وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها ...). الآية [الأنعام : ١٢٣].
فمن زعم أن الرهق : هو الإثم ، أو السفه ، أو الجور والظلم ، أو العبث (١) ـ يرجع كله إلى هذا المعنى الذي ذكرنا ؛ لأن سفههم هو الذي كان يحملهم على التجبر والتكبر ؛ لأنه كان لا يستعيذ بهم إلا الجاهل السفيه ، وليس في إعاذة الجاهل السفيه منقبة ما (٢) يتكبر لأجلها ، وهم بتكبرهم ازدادوا إثما (٣) وبعدا من رحمة الله تعالى ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ أَحَداً).
فجائز أن يكونوا نفوا القدرة عن الله تعالى بالبعث ؛ لما لم يشاهدوا البعث ، ورأوه أمرا خارجا عن طوقهم وقواهم ؛ فظنوا أن القدرة لا تنتهي إلى هذا ، لا أن يكونوا أرادوا به خروج البعث عن حد الحكمة ؛ لأنهم لو أرادوا به نفي البعث ، لكانوا يقتصرون على قولهم : [(لَنْ يَبْعَثَ اللهُ)](٤) ؛ فلما وصلوا به الكلام الذي يتكلم به للتأكيد ، وهو قوله : (أَحَدٌ أَ) ، دل أنهم نفوا القدرة.
وجائز أن يكونوا ظنوا أن [لا بعث](٥) ؛ لأنه أمر خارج من الحكمة ؛ إذ [ليس](٦) من الحكمة أن يهلك ثم يعاد ، بل إذا أريد الإبقاء لن (٧) يفنى ؛ حتى لا يحوج إلى الإعادة.
ثم هذا الكلام ليس بحكاية عن الجن (٨) ؛ بل الله تعالى أخبر أن الجن ظنت أن لا بعث كما ظننتم أنتم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ظَنَنْتُمْ) في الظاهر إشارة إلى الإنس جملة ، مسلمهم وكافرهم ، ومعلوم بأن المسلمين لم يكونوا يظنون ذلك ، بل قد أيقنوا بالبعث ، ولكن معناه : أن الكفرة من الجن ظنت أن لا بعث كما ظنت الكفرة منكم أيها الإنس.
ثم في هذه الآية إبانة أنهم كانوا يقولون : لا بعث بالظن ، ليس بالعلم ، والذي حملهم على الظن إعراضهم عن السبب الذي يوجب القول بالبعث ، وكل يأنف بطبعه أن يلزم الظنون ، ففيه دعاء وترغيب إلى النظر في حجج البعث وترك الاعتماد على الظنون.
ثم ذكر النحويون أن ما كان ابتداؤه بالكسر في هذه السورة ـ أعني : حرف «إن» ، فهو
__________________
(١) في ب : العيب.
(٢) في ب : فما.
(٣) في ب : مأثما.
(٤) في ب : لَنْ يَبْعَثَ اللهُ أَحَداً.
(٥) في أ : لن يبعث الله.
(٦) سقط في ب.
(٧) في ب : لمن.
(٨) في أ : الحق.