[والفرق](١) بامتناعهم عن الإعاذة.
ومنهم من يقول بأنهم كانوا يجيرون من استجارهم ، ولكن مع هذا كانوا يفرقون منهم ، ومن كيدهم في الأماكن التي [لم](٢) يستجيروا فيها إليهم ، وفي غير الأوقات التي وقعت فيها الإجارة.
وعلى اختلافهم اتفقوا أن الجن هي التي كانت تزيد الإنس رهقا.
وقيل بأن هذا الفعل من الإنس ـ وهو الاستجارة بهم ـ شرك ؛ لأن الله تعالى هو المجير ؛ فكان الحق عليهم أن يستجيروا بالله تعالى ؛ ليدفع عنهم مكايد الجن ، وألا يروا لأنفسهم ناصرا غير الله تعالى ، فإذا فزعوا في الاستجارة إلى الجن ، فقد رأوا غير الله تعالى يقوم عنهم بالذب والنصر ؛ فكان ذلك منهم شركا (٣).
ولأن الجن أضعف من الإنس ؛ ألا ترى أنها تختفي من الإنس وتتصور بغير صورتها ؛ فرقا ؛ لئلا يشعر بها الإنس ، وبلغ في ضعفها : أنها لا تقدر على إتلاف أحد من البشر ، ولا تقدر على سلب أموالهم ، ولا إفساد طعامهم وشرابهم ، واستنصار القوي بالضعيف أداة (٤) الذلة ؛ فيخرج تأويل [من قال](٥) بأن الرهق هو الذلة والضعف على هذا.
ومنهم من يقول بأن الإنس هي التي كانت تزيد الجن رهقا ، وقال : الرهق : التجبر ، والتكبر.
وقيل : هو السفه والجهل.
وقيل : هي (٦) المآثم.
وقال القتبي : هو العبث والظلم ؛ يقال : فلان مرهق في دينه ؛ إذا كان مفسدا.
ووجه زيادة الرهق : هو أن الرؤساء من الجن كانوا يرون لأنفسهم الفضل على أتباعهم من الجن وعلى الإنس جميعا بما رأوا من افتقار الإنس إليهم حتى احتاجوا إلى الاستعاذة بهم ؛ فكان يتداخلهم الكبر من ذلك ، ويزدادون به تجبرا وتعظما ؛ فكان ذلك يمنعهم عن النظر في حجج الرسل ، وكذلك أكابر الكفرة من الإنس كانوا يمتنعون عن الإجابة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم بما يرون لأنفسهم من الفضل على من سواهم ؛ ألا ترى إلى قوله تعالى :
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) سقط في ب.
(٣) في ب : إشراكا.
(٤) في أ : إرادة.
(٥) في ب : الآية.
(٦) في ب : هو.