الكفر ؛ فظهر مراده بمقابله ، وهو قوله (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ) [الجن : ١٤].
والضر قد يكون في الدين والمال والنفس ، ولكنه لما ذكر قوله : (رَشَداً) ، والرشد يتكلم به في الدين ، علم أن قوله : (ضَرًّا) راجع إليه أيضا ، فكأنه يقول : لا أملك إضلالكم ، ولا رشدكم ؛ إنما ذلك إلى الله تعالى ، يضل من يشاء ، ويهدي من يشاء.
والمعتزلة [تزعم أن](١) الله تعالى لا يملك رشد أحد ولا غيه ، بل رسول الله صلىاللهعليهوسلم أكثر ملكا منه ؛ لأنه يملك (٢) أن يدعو الخلق إلى الهدى بنفسه ، والله تعالى لا يملك ذلك إلا برسوله.
وقال ـ عزوجل ـ : (لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) [البقرة : ٢٧٢] ، وقال : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) [القصص : ٥٦] ، ولو كان المراد من الهداية المضافة إلى الله تعالى الدعوة والبيان ، لكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يهديهم ؛ لأنه داع ومبين ؛ فثبت أن في الهداية من الله تعالى لطفا لا يبلغه (٣) تدبير البشر.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً).
فكأنهم طلبوا منه ترك تبليغ الرسالة إلى قوم ، أو كتمان شيء ما (٤) أمر بإظهاره ، أو محاباة أحد من الأجلة ، فأمر أن يخبرهم أنه لا يجيره أحد من الله تعالى ، ولا يجد لنفسه ملجأ إن فعل ذلك ، سوى أن [يبلغ رسالات ربه](٥) ؛ فيجيره من عذابه ؛ ويكون له عنده ملجأ ؛ إن فعل.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللهِ وَرِسالاتِهِ) :
فمنهم من جعل قوله : (إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللهِ وَرِسالاتِهِ) استثناء (٦) من قوله : قل إني لا أملك لكم ضرّا ولا رشدا إلا بلاغا من الله أي : إني لا أملك لكم هدايتكم ولا إضلالكم إلا ما كلفت لأجلكم من تبليغ الرسالة.
ومنهم من جعل هذا استثناء من قوله : (قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ) إن عدلت عن أمره ، ولم أبلغ الرسالة ؛ فلا يجيرني من عذابه إلا أن أبلغ الرسالة ؛ قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) [المائدة : ٦٧] ، وقال :
__________________
(١) في ب : تقول : إن.
(٢) في ب : أمر.
(٣) في ب : يدركه.
(٤) في ب : فيما.
(٥) في ب : تبليغ الرسالات لربه.
(٦) في ب : استثنى.