(فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ) [النور : ٥٤].
ولأنه [لا](١) يجوز أن تقع له الحاجة إلى الإجارة من عذاب الله تعالى ، ولم يوجد (٢) منه تقصير ولا تضييع يستوجب به العقاب ؛ فلا بد من أن يمكن فيه ما ذكرنا من التقصير في التبليغ والعدول عما كلف ؛ حتى يستقيم ذكر الإجارة [فيه](٣).
وذكر أبو معاذ ـ صاحب التفسير ـ : أن الاستثناء راجع إلى قوله : (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً) ، ليس إلى قوله : (قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ) ، واستدل على ذلك بقراءة عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أنه كان يقرأ : قل إني لا أملك لكم غيا ولا رشدا إلا بلاغا من الله ، وليس فيما ذكرنا قطع الاستثناء على قوله : قل إني لا أملك لكم ضرّا ولا رشدا إلا بلاغا من الله ؛ للوجه الذي ذكرنا.
ولأن أكثر أهل التأويل أجمعوا على صرف الاستثناء إلى قوله : (قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ) ؛ فلا يجوز أن يحمل قولهم على الخطأ بما ذكره أبو معاذ ، وما ذهبوا إليه وجه الصحة والسداد.
وجائز أن يكون البلاغ والرسالة واحدا ؛ فيكون قوله الذي يبلغ بلاغا من الله ورسالاته ، ويكون ذلك على التكرار ؛ وهو كقوله (وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) [آل عمران : ٤٨] قيل : إنهما واحد.
وجائز أن تكون الرسالة نفس ما أنزل ، وهو الكتاب ، والبلاغ ما أودع فيه من الحكمة والمعاني ؛ وكذلك قيل في قوله تعالى : (وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) [آل عمران : ٤٨] : إن الكتاب هو المنزل نفسه ، والحكمة : ما تضمن فيه من المعاني.
وجائز أن يكون البلاغ من الله تعالى منصرفا إلى حكمه ، ورسالاته إلى غيره.
أو تكون رسالاته حكمه ، والبلاغ خبره ؛ وهو كقوله تعالى : (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً) [الأنعام : ١١٥] : [صدقا] [أخباره ، وعدلا](٤) أحكامه ، أو إبلاغا (٥) من الله حق الله عليهم ورسالاته بما به مصالحهم ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) قالوا : لا ملجأ وممالا ، أي : موضعا يمال إليه ، والالتحاد الإمالة ، سمي اللحد : لحدا من هذا ؛ لأنه يمال عن سننه.
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في أ : يقع.
(٣) سقط في ب.
(٤) سقط في ب.
(٥) في ب : بلاغا.