الانتقاص (١) عاد الأمر إلى ما كان مأمورا به في الابتداء.
ثم القليل ليس باسم لأعين الأشياء ؛ ولكنه من الأسماء المضافة ، فإذا قيل اقتضى ذكره تثبيت ما هو أكثر منه حتى يصير هذا قليلا إذا قوبل بما هو أكثر منه ؛ فلذلك قالوا بأن قوله (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً) ، يقتضي أمر القيام أكثر الليل ؛ ولهذا قال أصحابنا فيمن أقر أن لفلان عليه ألف درهم إلا قليلا : [إنه](٢) يلزمه أكثر من نصف الألف ؛ لأنه استثنى القليل ؛ فلا بد [من](٣) أن يكون المستثنى منه أكثر من المستثنى (٤) حتى [يكون المستثنى قليلا ، كما استثنى](٥) والله أعلم.
[وقوله](٦) ـ عزوجل ـ : (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) :
[الترتيل](٧) هو التبيين في اللغة ، أي : بينه تبيينا.
وقيل : اقرأه حرفا حرفا على التقطيع ؛ لما ذكر أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان يقطع القراءة ، ولكن جائز أن يكون على قراءة التقطيع ؛ لأن التبيين كان في تقطيعه ؛ وإنما أمر بالتبيين لأن القرآن لم ينزل لمجرد (٨) قراءته فقط ، لكنه لمعان ثلاثة :
أحدها : أن يقرأ للحفظ والبقاء إلى يوم القيامة ؛ لئلا يذهب ، ولا ينسى.
والثاني : أن يقرأ ؛ لتذكر ما فيه ، وفهم ما أودع من الأحكام ، وما لله عليهم من الحقوق ، وما لبعضهم على بعض.
والثالث : يقرأ ؛ ليعمل بما فيه ، ويتعظ بمواعظه ، ويجعلونه إماما يتبعون أمره ، وينتهون عما نهى عنه ؛ فنفذ (٩) قراءته في الصلاة يلزمنا هذا كله ، ولا ندرك ذلك إلا بالتأمل ، وذلك عند قراءته على الترتيل (١٠) ، وهذا الذي ذكرناه يوجب اختيار من يرى الوقوف في القرآن ؛ لأن ذلك يدل على المعنى وأقرب إلى الإفهام.
وفيه دلالة أن المستحب فيه ترك الإدغام ، وترك الهمز الفاحش ؛ لأن ذلك أبلغ في
__________________
(١) في أ : النقص.
(٢) سقط في ب.
(٣) سقط في ب.
(٤) زاد في ب : منه.
(٥) بدل ما بين في المعقوفين في ب : يجوز.
(٦) سقط في ب.
(٧) سقط في ب.
(٨) في أ : ليجود.
(٩) كذا في أ.
(١٠) في ب : المرسل.