التبيين ، والأصل أن السامع للقرآن مأمور بالاستماع إليه ، وإذا لزمه الاستماع (١) ، وفي الاستماع الوقوف على حسن نظمه وعجيب حكمته ، والوقوف على معانيه ؛ فلزم القارئ تبيينه ؛ ليصل السامع إلى معرفة معانيه ، ويقف على حسن نظمه ، وعجيب تأليفه ، وذلك يكون أقرب في إفهام السامع والقارئ ؛ لما فيه من لطائف المعاني.
ثم الترتيل (٢) منصرف إلى القراءة ، وسمى القراءة : قرآنا على جهة المصدر ؛ إذ ما هو كلام الله تعالى لا يوصف بالترتيل (٣) ، والله الموفق.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً) ، ولم يقل : ثقيلا على من؟ فجائز أن يكون الثقل راجعا إلى الكفرة والمنافقين ، ويكون الثقيل الأمر بالجهاد ؛ لأنه اشتد على الفريقين جميعا ، وأيس الكفار من المسلمين أن يعودوا إلى ملتهم ؛ قال الله تعالى : (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ) [المائدة : ٣] ، وتخلف المنافقون عن القتال مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم وثقل ذلك عليهم ، فجائز أن يكون قوله (ثَقِيلاً) ؛ أي : على الكفرة والمنافقين ، وكذا على أهل الكبائر ثقيل أيضا ؛ لأنهم لم يتمنوا أن ينزل عليهم الكتاب ، وأما على المسلمين فليس بثقيل بل هو كما قال تعالى : (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ) [القمر : ٣٢].
وجائز أن يصرف ذلك إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ؛ لأنه أمر بتبليغ الرسالة إلى الفراعنة وإلى الخلق كافة ، وفي القيام بالتبليغ إلى الفراعنة مخاطرة بالروح والجسد ، والقيام بما فيه مخاطرة بالروح والجسد أمر ثقيل صعب جدّا.
أو يكون ذلك منصرفا إلى قيام الليل ؛ فيكون معنى : (قَوْلاً ثَقِيلاً) ، : أي الوفاء بما يوجبه ذلك القول.
وجائز أن يكون هذا منصرفا إلى اتباع رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأنصاره ؛ فيكون ثقله من الوجه الذي كلفوا القيام بفرائضه ، وحفظ حدوده ، وتحليل حلاله ، واجتناب حرامه.
وزعمت الباطنية أن القول الثقيل هو أن كلف الناطق ـ وهو الرسول عليهالسلام ـ بتفويض (٤) الأمر إلى الأساس ، وهو الباب ، وذلك الأساس والباب هو علي [بن أبي طالب](٥) ـ رضي الله عنه ـ عندهم ، وهم يسمون [الرسول ـ عليهالسلام ـ : ناطقا](٦) ، ويقولون بأن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان مأمورا بتبليغ التنزيل إلى الخلق ؛ فلما بلغ التنزيل إليهم ،
__________________
(١) لعل هنا سقط.
(٢) في ب : الرسل.
(٣) في ب : الترسل.
(٤) في ب : تفويض.
(٥) سقط في ب.
(٦) في ب : الرسل عليهمالسلام نطقاء.