واستغنوا عنه ، احتاجوا إلى من يعلمهم التأويل ؛ فأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بأن يسند أمر التأويل إلى علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ ليكون هو الذي يتولى تعليم الخلق تأويله ؛ فذلك هو القول الثقيل ؛ إذ أمر أن يستند (١) إلى غيره ؛ فاشتد عليه إذ صار غيره ولي الأمر ، وبقي هو ساكنا لا ينطق.
فيقال لهم : إن في الأمر بإسناد الأمر إلى من ذكر تخفيف الأمر على رسول الله صلىاللهعليهوسلم بزعمكم ؛ لأن من مذهبكم : أنه إذا فوض الأمر إلى علي ـ رضي الله عنه ـ قبض هو ـ عليهالسلام ـ وصورة القبض عندكم : أن يميز الصورة الروحانية النورانية من الصورة الجسدانية التي كانت محتبسة في الصورة الجسدانية ، ثم تتلف الصورة الجسدانية ، وتبعث الصورة الروحانية النورانية إلى دار الكرامة والحبور والخلاص من الحبس ـ لم يشتد ذلك عليه ، ولم يثقل ؛ بل كان فيه ما يرغبه إلى التفويض ، ويدعوه إليه.
ومن مذهب الباطنية : أنهم لا يعلمون أحدا مذهبهم إلا بعد أن يحلفوه (٢) بالأيمان المغلظة بألا يخبر به أحدا ؛ إشفاقا على أنفسهم ، ولو كان الأمر على ما قدروا أن التلف يرد على الصورة الجسدانية التي هي سبب لحبس (٣) الصورة الروحانية ، وإذا تلفت ردت الروحانية إلى دار فيها كل أنواع السرور ـ فما الذي يحوجهم إلى الاستحلاف ، وما بالهم يشفقون على أنفسهم ، وليس في إتلاف أنفسهم إلا الخلاص من الحبس ، والوصول إلى الكرامات ، ومن هذا وصفه حق عليه الموت ؛ ليعلموا (٤) أنهم يعاملون الخلق على خلاف ما يوجبه اعتقادهم ، ولو كان ما اعتقدوا حقا ، لما استجازوا مخالفته (٥) ، ولكن الذي دعاهم إلى ما ذكرنا تسويل الشيطان وتزيينه في قلوبهم ، وما مثلهم إلا مثل اليهود ، الذين ادعوا أن الدار الآخرة خالصة لهم من دون الناس ؛ فقيل لهم : (فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [البقرة : ٩٤] ؛ لأنكم لا تصلون إلى الآخرة إلا بالموت ، فإن كنتم محقين في دعواكم فتمنوا [الموت](٦) لتصلوا إليها ؛ فكان في امتناعهم (٧) عن التمني ما يظهر كذبهم ، ويبطل مقالتهم ، ويبين تمويههم ؛ فكذلك في إشفاق هؤلاء على أنفسهم من الهلاك إظهار وإنباء أنهم قصدوا به قصد التمويه على الضعفة ؛ ليصلوا إلى المأكلة
__________________
(١) في أ : يستدل.
(٢) في ب : يلحقوه.
(٣) في ب : يحبس.
(٤) في أ : ليعلم.
(٥) في ب : مخالفة.
(٦) سقط في ب.
(٧) في ب : الامتناع.