أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ) [البقرة : ٢٥٧] ، ولم يقتض قوله : (يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) كونهم في الظلمات ، ولا اقتضى قوله : (يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ) كونهم في النور ، فيخرجهم منه ، وإن كان في الظاهر يؤدي ذلك ؛ فعلى ذلك قوله : (وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ) وإن كان في الظاهر يقتضى حيلولة ومنعا ، فليس في الحقيقة إثبات منع.
ويذكر غير هذا في سورة المدثر.
ثم قوله : (وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ) معناه : لا تجازهم بصنيعهم ، ولا تستعجل عليهم بالدعاء ؛ بل أمهلهم قليلا (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ) [البقرة : ١٣٧].
وقيل في الفرق بين النّعم (١) والنّعمة : إن النّعمة ما يعطى للعبد إرادة استدراجه فيها وهلاكه ، كقوله ـ عزوجل ـ : (وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ) [الدخان : ٢٧] ، والنعم هي منة الله تعالى على عباده ؛ تفضلا عليهم ، كقوله ، (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً) [لقمان : ٢٠] ، والله أعلم.
قوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالاً وَجَحِيماً. وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ وَعَذاباً أَلِيماً).
قال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : الأنكال هي السلاسل والقيود (٢).
وقال أبو بكر الأصم : الأنكال : ما ينكل به ويعتبر به غيره ؛ قال الله تعالى : (فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً) [البقرة : ٦٦] تأويله ما بين يديها من القرى (٣) وما خلفها من القرى أيضا.
فإن كان على ما ذكره أبو بكر الأصم فقد يكون في الدنيا ، ويكون منصرفا إلى يوم بدر [وكأن الأول أشبه.
والجحيم : هو معظم النار.
ثم في هذه الآية دلالة نبوة نبينا صلىاللهعليهوسلم ، وآية رسالته](٤) لأن قوله : (إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالاً وَجَحِيماً) راجع إلى قوله : (وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ) ، فإن لهم لدينا أنكالا وجحيما ، وإنما ينكلون ويعذبون بالجحيم إذا ماتوا على الكفر ؛ ففيه إبانة أنهم يموتون وهم كفار ، وعلى ذلك ماتوا ، وختم أمرهم ، ولم يسلم منهم أحد ؛ فيخرج ما أخبر عن غيب كما أخبر ، وذلك لا يعلم إلا بالله ـ تعالى ـ فثبت أنه لم يخترعه من تلقاء نفسه ، بل علم
__________________
(١) في ب : النعمة.
(٢) وهو قول عكرمة أيضا أخرجه ابن جرير (٣٥٢٥٤ ، ٣٥٢٥٧) وابن أبي شيبة وعبد بن حميد عنه ، كما في الدر المنثور (٦ / ٤٤٦) وعن قتادة ومجاهد وحماد وطاوس والحسن مثله.
(٣) في أ : قرى.
(٤) سقط في أ.