وقوله ـ عزوجل ـ : (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) :
جائز أن يكون أريد بالثياب نفسه ، وتجعل الثياب كناية عنها ؛ كما ذكر أن العرب كانت تقول إذا كان الرجل ينكث بالعهد (١) ، وليس بذي وفاء : إنه لدنس الثياب ؛ وإذا كان له وفاء قالوا : إنه لطاهر الثياب.
فإن كان الخطاب متوجها إلى النفس ، فتأويله ـ والله أعلم ـ : أن طهر خلقك ، وأفعالك ، وأقوالك عما تذم عليه.
وجائز أن يكون أريد بها الثياب ؛ فيكون قوله : (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) متوجها إلى التطهير من النجاسات (٢) ، وإلى التطهير من الأدناس.
فأما التطهير من الأنجاس ، فقد امتحنا جميعا نحن ورسول الله صلىاللهعليهوسلم [به].
وأما التطهير من الأدناس ، فجائز أن يؤمر به النبي صلىاللهعليهوسلم خاصة ؛ لأنه كان مأمورا بتبليغ الرسالة إلى الخلق ؛ فندب إلى تطهير ثيابه من الدنس ؛ لئلا يستقذر ، بل ينظر إليه بعين التبجيل والعظمة ، وليس هذا على تطهير الثياب خاصة ؛ بل أمر أن يطهر جميع ما يقع (٣) له به التمتع من المأكل والمشرب والملبس وغيرها ، والله أعلم.
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ أنه قال : أي : لا يلبس الثوب على فخر ولا غدر (٤).
قيل : وكان الرجل إذا كان غادرا في الجاهلية يقال : إنه دنس الثياب (٥).
وقال الحسن : خلقك فحسّنه (٦).
وقال بعضهم : أي : قصر ثيابك ولا تطولها ؛ فتقع أطرافها على الأرض ؛ فتصيبها النجاسات ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) :
فالرجز : اسم للمأثم ، واسم لما يعذب عليه ؛ فيكون منصرفا إلى ما تتأذى به النفس وتتألم به كالسبة في أنها اسم لما يتأذى به ولما تتألم عليه النفس ؛ فقال الله تعالى : (لَهُمْ
__________________
(١) في أ : العهد.
(٢) في أ : النجاسة.
(٣) زاد في ب : عليه.
(٤) أخرجه ابن جرير (٣٥٣١٥ ، ٣٥٣١٦) وسعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن الأنباري في الوقف والابتداء ، وابن مردويه من طريق عكرمة عنه ، كما في الدر المنثور (٦ / ٤٥١).
(٥) قاله سعيد بن جبير أخرجه ابن أبي شيبة وابن المنذر عنه ، كما في الدر المنثور (٦ / ٤٥١).
(٦) أخرجه ابن المنذر عنه ، كما في الدر المنثور (٦ / ٤٥٢).