عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ) [سبأ : ٥] ، فالمأثم اسم لما تتأذى به (١) النفس ، فهو اسم للأمرين : [العذاب وما تتألم به](٢) جميعا.
وصرف أهل التأويل الرجز إلى المأثم هاهنا.
وذكر قتادة أنه كان بمكة صنمان : إساف ، ونائلة ، فكان من أتى عليهما من المشركين مسح وجوههما ، فأمر الله ـ عزوجل ـ نبيه صلىاللهعليهوسلم أن يعتزلهما بقوله : (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ)(٣).
وقيل ـ أيضا ـ : بأن المشركين قالوا للنبي صلىاللهعليهوسلم : لو مسحت وجوههما ، لكنا نؤمن لك ونتبعك ؛ فأنزل الله تعالى : (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) ، أي : فاهجر عبادة الأوثان.
وقيل : الرجز : العذاب.
فجملته ترجع إلى ما ذكرنا : أنه اسم للعذاب ، ولما يعذب عليه ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) :
قال مجاهد والحسن : تأويله : ألا تستكثر عملك ، فتمن به على ربك (٤) ؛ على التقديم والتأخير.
فإن كان التأويل هذا ، فالمراد من الخطاب غير رسول الله صلىاللهعليهوسلم وإن كان هو المذكور في الخطاب ؛ إذ لا يتوهم أن يكون رسول الله صلىاللهعليهوسلم يمن على ربه ، ولا أن يستكثر عمله لله تعالى ؛ لأن هذا النوع من الصنيع لا يفعله واحد من العوام الذي خصّ بأدنى خير ؛ فكيف يتوهم على رسول الله صلىاللهعليهوسلم؟!
ولأن الامتنان على الله تعالى من فعل المنافقين ؛ قال الله تعالى : (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ) [الحجرات : ١٧].
ويجوز أن يكون الخطاب له ، وإن كان هو معصوما من ذلك ؛ لقوله : (وَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) [القصص : ٨٨] ، ونحوه ، وهذا كما ذكرنا أن العصمة لا تمنع وقوع النهي ؛ إذ العصمة [لا](٥) ينتفع بها [إلا] مع ثبات النهي ، فإذا لم يكن فلا فائدة في العصمة.
وقال بعضهم (٦) : (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) ، أي : لا تعطيه عطية تلتمس بها أفضل منها في
__________________
(١) في ب : بها.
(٢) في ب : والعذاب مما نتألم به.
(٣) أخرجه ابن جرير عنه (٣٥٣٤١).
(٤) أخرجه ابن جرير (٣٥٣٦٣ ، ٣٥٣٦٥) عن الحسن ، وأخرجه عبد بن حميد ، وابن المنذر عن مجاهد كما في الدر المنثور (٦ / ٤٥٢).
(٥) سقط في ب.
(٦) قاله ابن عباس (٣٥٣٤٦) ، وابن مردويه ، والطبراني من طرق عنه ، كما في الدر المنثور (٦ / ٤٥٢).