إِلاَّ ذِكْرى لِلْبَشَرِ (٣١) كَلاَّ وَالْقَمَرِ (٣٢) وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (٣٣) وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ (٣٤) إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ (٣٥) نَذِيراً لِلْبَشَرِ (٣٦) لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ)(٣٧)
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ) :
(نُقِرَ) : أي : نفخ ، و (النَّاقُورِ) : الصور ، وهي كلمة كتب الأولين ذكرها هنا ، (فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ) ، وقال في موضع آخر : (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ) [الحاقة : ١٣] ، وقال في موضع آخر : (إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) [يس : ٢٩].
فجائز أن يحمل هذا كله على التحقيق ؛ فتتحقق (١) الصيحة والزجرة والنقرة ، ثم تعقبها الساعة.
وجائز أن يكون هذا على التمثيل ؛ فيكون فيه إخبار عن سهولة ذلك الأمر وهونه على الله تعالى ؛ لأن اللمحة والزجرة والنفخة والنقرة أمر سهل ، لا يشتد على أحد.
أو يكون على تقصير الوقت على الذين ينفخ فيهم الروح ، أي : الأرواح ترد عليهم في قدر النفخة ، والزجرة ، والصيحة ؛ خلافا لأمر النشأة الأولى ؛ لأنه في النشأة الأولى إنما نفخ فيه الروح بعد كونه نطفة في بطن أمه أربعين يوما ، ثم علقة ، ثم مضغة كذلك القدر من المدة ، ثم نفخ فيه الروح بعد مدد وأوقات ، وفي النشأة الأخرى ينفخ [الروح](٢) بالقصر من المدة ، وذلك قدر النفخة والزجرة والصيحة واللمحة ، والله أعلم.
وإنما قلنا بأن التأويل قد يتوجه إلى التمثيل دون التحقيق ، وإن ذكر في بعض الأحاديث تثبيت الصور والناقور ؛ لأنها من أخبار الآحاد ، وخبر الواحد يوجب علم العمل ، ولا يوجب علم الشهادة ، وفي تحقيق الصور والناقور ليس إلا الشهادة ؛ لذلك لم يحصل الأمر على التحقيق والقطع لئلا نقطع الحكم على الشهادة.
ثم قد ذكرنا أن قوله : «إذا» (٣) جواب سؤال واقع عن تبيين وقت ؛ كأنه قيل له : فاصبر إلى أن ينقر في الناقور.
أو يكون جوابا لقوله : (قُمْ فَأَنْذِرْ) [المدثر : ٢] ، أي : أنذرهم عما (٤) يحل بأهل الشر من العذاب بنقر الناقور.
__________________
(١) في أ : فيتحقق.
(٢) سقط في ب.
(٣) في ب : إن.
(٤) في ب : عملا.